في مشهد مأساوي يتكرر يومًا بعد يوم، تتفاقم أزمة المياه في محافظة دير الزور، نتيجة استمرار حصر مياه نهر الفرات من الجانب التركي، ما أدى إلى انخفاض حاد في منسوبه، مخلفًا تداعيات كارثية على مختلف مناحي الحياة في المحافظة، بدءًا من الزراعة وانتهاءً بمياه الشرب.
الفرات يذبل.. والزراعة تختنق
لطالما مثّل نهر الفرات شريان الحياة لأهالي دير الزور، لكنه بات اليوم يترنح تحت وطأة القيود المفروضة على تدفقه. فقد أدى انخفاض منسوب المياه إلى جفاف مساحات زراعية واسعة في الريفين الشرقي والغربي، وتوقفت محطات ضخ المياه عن العمل، ما جعل آلاف المزارعين عاجزين عن ري محاصيلهم، وسط مخاوف من خسارة الموسم الزراعي بالكامل.
التربة التي كانت خضراء منذ أشهر قليلة، تحولت إلى أرض متشققة، ومعها انخفضت إنتاجية الحقول بشكل غير مسبوق، وسط حالة من الإحباط واليأس في أوساط الفلاحين، الذين يعتمدون بشكل شبه كامل على مياه الفرات في ري محاصيلهم، لاسيما القمح والشعير والخضروات الموسمية.
مياه الشرب.. أزمة موازية لا تقل خطورة
إلى جانب القطاع الزراعي، تسببت الأزمة في تعطّل محطات مياه الشرب في عدد من البلدات، ما أجبر الأهالي على اللجوء إلى مصادر بديلة، معظمها غير آمنة صحياً. ومع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، باتت المخاوف تتصاعد من تفشي الأمراض المرتبطة بتلوث المياه، وخاصة بين الأطفال.
وفي مناطق مثل حاوي الحصان وموحسن، بات السكان يتنقلون مسافات طويلة بحثًا عن جرّة ماء، وسط ظروف معيشية قاسية. ويشير عدد من السكان إلى أن الاعتماد على صهاريج المياه بات خيارًا مرًا، إذ أن الأسعار باهظة والجودة مشكوك فيها، ما يزيد من معاناتهم اليومية.
العائدون إلى حويجة صكر: الظمأ بعد العودة
في منطقة حويجة صكر، الواقعة شرق مدينة دير الزور، تعيش قرابة 350 عائلة عادت مؤخرًا بعد سنوات من النزوح، أوضاعًا إنسانية متدهورة، أبرزها انعدام مياه الشرب. إذ لم تصل المياه إلى منازلهم منذ أكثر من ثمانية أشهر، نتيجة الدمار الكبير الذي أصاب شبكة المياه خلال المعارك السابقة، فضلًا عن انتشار الأنفاق والمخلفات العسكرية، التي تعرقل أعمال الصيانة.
العائدون يجدون أنفسهم بين مطرقة البنية التحتية المدمرة وسندان التجاهل الرسمي، إذ لم تشهد المنطقة أي تحرك فعلي من الجهات المعنية لإصلاح شبكات المياه، ما يجعلهم رهائن للعطش اليومي.
دعوات للتدخل العاجل
وسط هذا المشهد القاتم، يطالب سكان دير الزور الجهات الحكومية والمنظمات الدولية بالتدخل العاجل، لضمان تدفق مياه نهر الفرات بما يكفل احتياجات السكان، والعمل على إصلاح محطات المياه والبنى التحتية المتضررة. كما يدعون إلى تقديم مساعدات عاجلة لتأمين مياه الشرب النظيفة، وتوفير حلول مستدامة للأزمة، التي تنذر بكارثة بيئية وصحية إذا ما استمرت.
الماء ليس ترفًا، بل حق إنساني أساسي. ومعاناة دير الزور اليوم تذكير قاسٍ بأن الأزمات الطبيعية والسياسية لا تعترف بالحدود، وأن تجاهلها يعني العبث بأرواح الأبرياء ومصير أجيال قادمة.