يشهد الجنوب السوري تصعيدًا لافتًا منذ مطلع شهر تموز، وسط تحركات عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة في ريف القنيطرة وريف دمشق الغربي، ما يشير إلى تغير في قواعد الاشتباك وتنامي التوترات الإقليمية، في وقت تتكثف فيه التحذيرات العلنية من التعاون مع ما تصفه إسرائيل بـ"المحور الإيراني".
في الأيام الأولى من الشهر، بدخول رتل تابع لقوات الأمم المتحدة إلى مدينة نوى بريف درعا، واتجاهه نحو بلدة الشيخ سعد، في ظل غياب أي توضيح رسمي حول طبيعة هذه المهمة الأممية، بالتزامن مع أجواء أمنية مشحونة في مناطق الجنوب. ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأت القوات الإسرائيلية تنفيذ سلسلة من العمليات الميدانية الدقيقة، كان أولها اقتحام مزرعة في محيط بلدة المعلقة جنوب القنيطرة، اعتُقل خلالها ثلاثة فلسطينيين دون أي مواجهة تذكر أو تدخل محلي.
اللافت أن إسرائيل لم تكتفِ بالإجراءات الأمنية والعسكرية، بل شرعت باستخدام وسائل دعائية مباشرة تجاه السكان المحليين، من خلال إلقاء منشورات ورقية في بلدتي البصلي وأم اللوقين. تضمنت هذه المنشورات تحذيرات صارمة من التعاون مع جهات مرتبطة بإيران، مع نشر أسماء عدد من المدنيين المحليين متهمين بتقديم دعم لوجستي أو استخباراتي لهذا المحور، في خطوة تهدف إلى الضغط النفسي وإحداث شرخ اجتماعي داخلي.
وفي تصعيد نوعي، توغلت قوة إسرائيلية خاصة للمرة الأولى داخل قرية رخلة في منطقة جبل الشيخ، الواقعة قرب الحدود السورية–اللبنانية، بالتزامن مع تحليق مروحي فوق بلدة يعفور ومحيط قلعة جندل. هذه التحركات ترافقت مع هجوم مباشر استهدف مواقع عسكرية في المنطقة، يُعتقد أنها كانت تستخدم سابقًا من قبل المـ ـقاو. مة.
خلال الأيام التالية، تصاعدت وتيرة العمليات لتشمل مداهمات واعتقالات مباشرة في قرى ريف القنيطرة، مثل رويحينة وسويسة والدواية، تخللها اعتقال مدنيين بينهم أطفال، وتجريف أراضٍ زراعية، وإنشاء سواتر ترابية مؤقتة، إلى جانب جمع معلومات ميدانية من الأهالي ضمن إجراءات توحي بتحول المنطقة إلى مسرح مفتوح للنشاط الأمني.
في السابع من تموز، بلغت هذه التحركات ذروتها مع دخول رتل عسكري إسرائيلي ضخم، ضم أكثر من عشر آليات، انطلق من قاعدة تم إنشاؤها حديثًا في منطقة العدنانية، وتمركز في موقع "السرية الرابعة" قرب مفرق المنبطح. واختُتم أمس باقتحام قرية الدواية واعتقال شقيقين من سكانها، في مؤشر على استمرار وتوسع هذه الحملة.
كل هذه التطورات تؤكد أن الجنوب السوري دخل مرحلة جديدة من التصعيد، في ظل غياب أي رد فعلي رسمي من الجانب السوري، ما يعكس حجم التعقيد الإقليمي المتصاعد في المنطقة. التحركات الإسرائيلية، سواء عبر العمليات الأمنية المباشرة أو عبر الأدوات الدعائية، تحمل رسائل واضحة: لا تسامح مع أي نفوذ إيراني محتمل قرب الحدود، واستعداد دائم لفرض معادلات جديدة بالقوة، إذا تطلب الأمر ذلك.
وفي حين تسود حالة من الترقب والقلق في أوساط السكان المحليين، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مستقبل الاستقرار في الجنوب، وما إذا كانت هذه المرحلة مقدمة لمرحلة أكثر تعقيدًا على الصعيدين الأمني والسياسي.