هل بدأ التنسيق الأمني غير المباشر بين دمشق وتل أبيب؟

2025.07.07 - 12:52
Facebook Share
طباعة

 في تطور لافت للمشهد الأمني في سوريا، شهد الأسبوع الأول من تموز/يوليو 2025 تنفيذ عمليتين أمنيتين متزامنتين استهدفتا خلايا تابعة للحرس الثوري الإيراني، الأولى في جنوب البلاد نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والثانية في مدينة البوكمال شرق البلاد، نفذتها الأجهزة الأمنية السورية.
رغم عدم وجود أي إعلان رسمي عن تنسيق مباشر، إلا أن التوقيت المتقارب، وتشابه الأهداف، والخلفية المشتركة للحملتين، تثير تساؤلات جدية حول ما إذا كانت سوريا تدخل مرحلة من التنسيق الأمني غير المعلن مع أطراف إقليمية ودولية، في سياق مواجهة النفوذ الإيراني المتغلغل في البلاد منذ سنوات الحرب.


عملية الجنوب... متابعة استخباراتية لخلية تابعة لفيلق القدس
في 7 تموز، أعلنت إسرائيل عن توقيف خلية مسلحة جنوب سوريا، يُزعم ارتباطها بفيلق القدس الإيراني. العملية، التي قادتها وحدة استخبارات ميدانية متخصصة، جاءت استكمالًا لسلسلة من الضربات المركزة التي استهدفت ما تسميه إسرائيل "بنية التمركز الإيراني" في الجنوب السوري.
ورغم ما تحمله العملية من أبعاد تقليدية في سياق المواجهة الإسرائيلية–الإيرانية، إلا أن التزامن مع تحرك أمني داخلي في شرق البلاد، يفتح الباب أمام مقاربات جديدة.


حملة البوكمال... تفكيك نفوذ إيراني بغطاء محلي
في البوكمال، وبعد أقل من 24 ساعة على العملية الجنوبية، أطلقت أجهزة الأمن العامة السورية، بالتعاون مع وحدات المخابرات، حملة أمنية واسعة أسفرت عن توقيف عشرات العناصر المرتبطين بميليشيات مدعومة من طهران، كـ"اللواء 47" و"زينبيون". المعلومات الأمنية التي أدت إلى هذه الحملة وصفت بالدقيقة، وشملت مداهمات في أحياء محددة وأسماء خضعت للمتابعة منذ أسابيع.
الحملة لم تكن معزولة عن سياق سياسي وأمني جديد تسعى الحكومة السورية لترسيخه: إنهاء التبعية الأمنية لبعض الشبكات المسلحة، واستعادة القرار السيادي الداخلي في ملف كان، لسنوات، مغلقًا بيد الحرس الثوري الإيراني.


دعم استخباراتي غربي لإعادة الهيكلة الأمنية
منذ إعادة تشكيل السلطة المركزية في دمشق، بدأ يظهر دور غربي واضح – خصوصًا من الولايات المتحدة وبريطانيا – في تدريب وإعادة تأهيل أجهزة الأمن السورية، وفق مقاربات أكثر مهنية واحترافية. هذا الدور يشمل تبادل معلومات استخبارية، تطوير البنية التنظيمية، والتنسيق الإقليمي عبر شركاء عرب وأتراك.
ويُعد الملف الإيراني أحد أبرز مجالات التعاون غير المعلن. فالمعلومات التي تملكها الأجهزة الغربية حول تحركات الحرس الثوري في سوريا ولبنان والعراق غالبًا ما تُشارك مع الجهات السورية، ما يوفر فرصة للقيام بعمليات دقيقة ضد وكلاء إيران على الأرض.


تقاطع المصالح... لا تقاطع المواقف
من الملفت أن الإجراءات السورية الأخيرة تأتي في ظل رغبة حكومية واضحة في تقليص النفوذ الإيراني في مفاصل الدولة، خاصة في القطاعات الأمنية والخدمية، وهو هدف يتقاطع موضوعيًا مع الأجندة الغربية – وحتى الإسرائيلية – في سوريا، دون أن يعني ذلك وجود توافق سياسي أو إعلان عن تقارب.
ما يجري اليوم في سوريا ليس تحالفات جديدة، بقدر ما هو إدارة مصالح متقاطعة في سياق معقد. فبينما ترى إسرائيل في إيران تهديدًا عسكريًا مباشرًا، ترى الحكومة السورية أن استمرار تمدد الحرس الثوري وميليشياته يعيق جهود إعادة بناء مؤسسات الدولة ويقوض القرار السيادي.


واقع أمني جديد يتشكل
رغم غياب أي إعلان رسمي عن تنسيق مباشر بين دمشق وتل أبيب، إلا أن العمليات المتزامنة، وخطاب التصعيد الأمني ضد التمدد الإيراني، تشير إلى تحولات استراتيجية في طريقة تعامل الدولة السورية مع هذا الملف.
اليوم، تتقدم سوريا نحو إعادة الإمساك بقرارها الأمني، وتفكيك شبكات الولاء العابر للحدود، ضمن رؤية تستند إلى استعادة الاستقرار والسيادة، ولو اقتضى الأمر الاستفادة من تقاطعات ظرفية مع خصوم الأمس، ما دامت تصب في المصلحة الوطنية.
السؤال المفتوح الآن: هل ستبقى هذه التحركات محصورة في المستوى الأمني، أم أننا أمام بداية لمرحلة أوسع من إعادة رسم التوازنات داخل سوريا وخارجها؟

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 4