شمال حلب على أعتاب مرحلة إدارية جديدة

سامر الخطيب

2025.07.07 - 12:38
Facebook Share
طباعة

 تشهد مناطق شمال محافظة حلب تحولًا إداريًا واسعًا، مع بدء إجراءات دمج الوحدات المحلية ضمن الهيكل الإداري الرسمي للدولة السورية، بعد سنوات من الإدارة المؤقتة التي تشكلت في ظل سيطرة فصائل المعارضة المدعومة من تركيا. هذا التحول يأتي في إطار تسوية سياسية وإدارية تم التوصل إليها بين الجانب السوري والتركي، أنهت الوجود الرسمي للمستشارين الأتراك في المنطقة، وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة من الحوكمة المحلية بإشراف مباشر من الحكومة المركزية في دمشق.

المناطق المشمولة بهذا الدمج تشمل مدنًا وبلدات محورية مثل الباب، بزاعة، جرابلس، اعزاز، مارع، عفرين، وصوران، إلى جانب عشرات البلدات والنواحي الأخرى التي كانت تديرها المجالس المحلية تحت إشراف مباشر من ولايات تركية كغازي عينتاب وهاتاي وكلّس. وعلى مدى السنوات الماضية، لعبت تلك المجالس دورًا أساسيًا في تقديم الخدمات العامة، خاصة في ظل غياب مؤسسات الدولة السورية أثناء فترات النزاع.

مع استعادة الدولة السورية لإشرافها على هذه المناطق، بدأت عملية إعادة هيكلة شاملة للوحدات الإدارية، وفق قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011، الذي يشكل الإطار القانوني لإدارة الخدمات والتنمية المحلية في سوريا. وتشمل هذه الهيكلة إعادة توزيع الكوادر الإدارية والفنية، وضم العاملين في المجالس المحلية السابقة إلى الوزارات والمؤسسات المختصة، بما يسمح لهم بالاستمرار في عملهم ضمن مؤسسات الدولة وبما يحفظ حقوقهم الوظيفية.

عملية الدمج لا تقتصر على الهيكل الإداري، بل تمتد لتشمل قطاعات التعليم، الصحة، الخدمات البلدية، الكهرباء والمياه، وغيرها من الخدمات الأساسية التي كانت تُدار بشكل منفصل أو بدعم خارجي. ويُتوقع أن تسهم هذه الخطوة في توحيد معايير العمل، وتحسين جودة الخدمات، وتحقيق العدالة في التوزيع بين جميع المناطق السورية، بعد سنوات من التفاوت والتجزئة.

في الجانب الأمني، تعمل الدولة على ضمان الاستقرار من خلال دمج القوى الأمنية والشرطة المحلية ضمن منظومة وزارة الداخلية، في خطوة تهدف إلى ضبط الأوضاع الميدانية، والحفاظ على الأمن العام دون إحداث فراغ أو فوضى. وتستمر القوى الأمنية الحالية في ممارسة مهامها بشكل منظم، ضمن خطة وطنية تراعي الخصوصيات المحلية لكل منطقة.

ورغم التحديات المتوقعة، فإن هذا التحول يُنظر إليه كخطوة أساسية على طريق استعادة السيادة الكاملة، وبداية لمرحلة جديدة يمكن من خلالها تحقيق تنمية حقيقية في المنطقة، بعد سنوات من التهميش والصراع. ويؤكد المتابعون أن هذا الدمج الإداري لا يعني فقط نقل المهام، بل هو إعلان عملي عن نهاية مرحلة من الفوضى والتجاذبات الإقليمية، وبداية لعودة الدولة كمظلة جامعة لكل المواطنين.

ويرى كثيرون أن هذا التطور هو ثمرة حراك سياسي ودبلوماسي طويل، يؤكد أن الحل في سوريا لن يكون عسكريًا فقط، بل لا بد أن يمر عبر الحوار والتفاهمات، بما يحفظ وحدة البلاد ويضمن كرامة أهلها. ويُعتقد أن هذه الخطوة لن تكون الأخيرة، بل ستتبعها خطوات إضافية نحو تعميم التجربة على مناطق أخرى في الشمال والشرق السوري، تمهيدًا لاستعادة الدولة دورها الكامل في كافة أنحاء البلاد.

إعادة توحيد الشمال السوري إداريًا تحت مظلة الحكومة السورية، رغم ما قد يرافقه من تحديات، يُعد فرصة تاريخية لتثبيت الاستقرار، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتعزيز سيادة القرار الوطني بعيدًا عن التدخلات الخارجية، التي غالبًا ما تستغل الأوضاع المعقدة لتحقيق مصالح لا تخدم الشعب السوري.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 1