في استمرار لانتهاكاتها المتكررة للسيادة السورية، شنّت القوات الإسرائيلية في الأيام القليلة الماضية سلسلة من العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية، استهدفت خلالها مواقع تابعة للجيش السوري في الجنوب، إضافة إلى تنفيذ عمليات مداهمة واعتقال طالت مدنيين في القنيطرة، في تصعيد خطير يعكس سياسة الاحتلال القائمة على فرض الهيمنة بالقوة تحت ذريعة "حماية الأمن".
العملية الإسرائيلية، التي وُصفت بـ"الاستباقية"، استهدفت نقاطًا عسكرية سورية في محيط جبل حرمون (جبل الشيخ) في منطقة الجولان المحتل، وجرى خلالها استخدام آليات عسكرية ووحدات خاصة، بما في ذلك وحدة "يَهَالوم" التي تختص بمهام الهدم والهندسة القتالية. ورغم الادعاءات الإسرائيلية بأن المواقع المستهدفة تشكّل تهديداً، إلا أن هذه المزاعم لا تعدو كونها مبررات جاهزة لتبرير العدوان المتكرر على الأراضي السورية.
اللافت أن هذا العدوان لم يقتصر على استهداف المواقع العسكرية، بل شمل أيضًا مناطق سكنية، حيث نفذت القوات الإسرائيلية عمليات اعتقال في بلدتي أم اللوقس وعين البصلي في ريف القنيطرة، طالت عددًا من المدنيين بتهم فضفاضة تتعلق بالارتباط بإيران أو بحركات مقاومة مثل حماس. وتم اقتياد المعتقلين إلى جهة مجهولة، في خطوة تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وسط صمت دولي مريب.
ما يجري في الجنوب السوري ليس مجرد "تحركات أمنية"، بل هو جزء من سياسة الاحتلال الإسرائيلي التي تهدف إلى تقويض الاستقرار في سوريا والمنطقة، وإبقاء الحدود في حالة توتر دائم، لضمان استمرارية النفوذ والتدخل في الشأن السوري، ومنع أي حالة من التوازن أو التعافي في هذه المناطق.
وفي ظل استمرار هذه الاعتداءات، تتصاعد المخاوف من نوايا إسرائيلية أوسع لفرض واقع جديد في الجنوب السوري عبر سياسة الضغط العسكري والتدخلات الأمنية، مستغلة هشاشة الوضع السوري والانقسامات الإقليمية والدولية. فالاحتلال يحاول أن يظهر كطرف "مدافع"، في حين أنه ينفذ سياسات عدوانية توسعية لا تفرّق بين مواقع عسكرية ومدنيين عزل.
الاحتلال الإسرائيلي، الذي يبرر كل عدوانه بـ"الخطر الإيراني" أو "نشاطات معادية"، يغض الطرف تمامًا عن الانتهاك الذي يمارسه بحق دولة ذات سيادة، ويواصل سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة، غير آبه بالقرارات الدولية ولا بمبادئ القانون الدولي الإنساني.
إن ما يحدث في الجنوب السوري من ممارسات إسرائيلية متكررة يكشف عن خلل كبير في منظومة الردع الدولية، ويؤكد أن إسرائيل تتصرف كدولة فوق القانون، غير خاضعة لأي مساءلة أو محاسبة، في ظل دعم غربي مستمر وتجاهل لحقوق الشعب السوري وسيادة أراضيه.
المرحلة القادمة تضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي: إما أن يقف ضد سياسة العدوان المتواصل على سوريا والمنطقة، أو أن يستمر في تواطئه وصمته، مما يهدد بمزيد من التصعيد والانفجار في منطقة لا تحتمل المزيد من الأزمات.