شهدت مدينة صافيتا بريف طرطوس تصاعداً مقلقاً في مظاهر التحريض الطائفي، عقب ظهور منشورات تحريضية تحمل خطاب كراهية على جدران عدد من الكنائس والمحال التجارية في المدينة. هذه المنشورات التي تضمنت عبارات تحث على العنف والاعتداء على أبناء الطائفة المسيحية، تثير مخاوف جدية من تصاعد التوترات الطائفية وتهديد السلم الأهلي في منطقة طالما تميزت بالتعايش والتنوع المجتمعي.
تحتوي هذه المنشورات على دعوات صريحة لاستهداف المدنيين بسبب انتمائهم الديني، بما في ذلك التهديد بالحرق والقتل والتهجير، وهو ما يعد تجاوزاً خطيراً يهدد الاستقرار المجتمعي في صافيتا وريف طرطوس. ولعل الأشد خطورة أن هذه التصرفات تأتي في سياق عام متوتر، بعد فترة قصيرة من تفجير استهدف كنيسة في دمشق، ما زاد من القلق حول إمكانية تصاعد العنف الطائفي بشكل أشمل في البلاد.
يتساءل العديد من المراقبين عن الجهة التي تقف وراء هذه الحملات التحريضية، مشيرين إلى احتمال وجود من يحاول استغلال الأوضاع الحساسة لزرع الفتنة وزعزعة الوحدة الوطنية. فمثل هذه الأعمال لا تخدم سوى مصلحة من يسعى لنشر الفرقة وزيادة حالة التوتر بين مكونات المجتمع، وهي بعيدة كل البعد عن روح التعايش والتسامح التي تميز المنطقة تاريخياً.
من المهم التأكيد أن هذه المحاولات التحريضية لا تعكس واقع المجتمع في صافيتا وريف طرطوس، حيث يعيش أهل المنطقة منذ عقود في أجواء من الاحترام المتبادل والتعاون بين جميع مكوناتها الدينية والعرقية. السلم الأهلي والتعايش المشترك هما الأساس الذي قام عليه المجتمع المحلي، وضرورة الحفاظ عليه تكتسب أهمية قصوى في ظل التحديات الراهنة.
الخطاب الطائفي والتحريض على العنف يمثلان تهديداً مباشراً لأي مجتمع يرغب في البناء والتنمية، إذ يؤديان إلى توتر العلاقات بين الناس، ويزيدان من احتمالات وقوع صراعات تؤدي إلى تفكك المجتمع وتراجع الأمن والاستقرار. لذلك، من الضروري أن تتضافر جهود جميع الأطراف المحلية والرسمية لإدانة هذه الممارسات والوقوف بحزم أمام محاولات نشر الكراهية والتحريض.
في ضوء ذلك، يبقى من الضروري تعزيز حملات التوعية التي تركز على قيم التسامح والتعايش، والعمل على فتح قنوات للحوار بين مختلف مكونات المجتمع، بهدف بناء جبهة وطنية موحدة ترفض العنف والكراهية بأشكالها كافة. إن مواجهة هذه الظواهر تتطلب يقظة المجتمع بأسره وحكمة القادة المحليين لضمان حماية نسيج المجتمع من التمزق.
إن استمرار مثل هذه التحركات التحريضية يجب أن يشكل جرس إنذار للجميع، فالأمن الاجتماعي لا يتحقق إلا بتكاتف الجميع ورفضهم لأي شكل من أشكال الكراهية والعنف الطائفي. والتاريخ المشترك للمجتمعات في صافيتا وريف طرطوس يشكل قاعدة صلبة لإعادة بناء الثقة وإطفاء نار الفتنة قبل أن تلتهم نسيج المجتمع بأكمله.
في النهاية، فإن هذا التصعيد الخطير يضع أمام الجميع مسؤولية كبيرة للحفاظ على وحدة المجتمع ومنع تحول هذه الأحداث إلى نزاع أوسع، خصوصاً في مناطق حساسة مثل ريف طرطوس حيث التنوع الثقافي والديني يشكل جزءاً من الهوية الوطنية. الفتنة لا تعود بالفائدة على أحد، ومصلحة البلد الحقيقية تكمن في استعادة روح الوئام والتعايش التي كانت دوماً عنواناً للمنطقة.