تواجه محافظة إدلب في شمال غرب سوريا أزمة صحية متفاقمة تنذر بكارثة إنسانية، بعد توقف الدعم عن عشرات المستشفيات والمراكز الطبية التي كانت تشكل العصب الحيوي للرعاية الصحية في المنطقة. ومع انسحاب عدد من المنظمات الإنسانية العاملة في القطاع الطبي، باتت آلاف العائلات مهددة بفقدان الوصول إلى العلاج والخدمات الصحية الأساسية.
توقف الدعم الطبي شمل أكثر من 70 مركزًا صحيًا، بين مستشفيات عامة ونقاط طبية في ريف إدلب، وأدى إلى خروج عدد من المستشفيات عن الخدمة بالكامل. ومن أبرز المرافق التي أغلقت أبوابها مؤخرًا، مشفى المحافظة، الذي كان يخدّم أكثر من نصف مليون نسمة في مدينة إدلب وريفها، قبل أن يتوقف عن استقبال المرضى بعد وقف الدعم المالي واللوجستي عنه.
ويأتي هذا التدهور في القطاع الصحي بعد سلسلة من التخفيضات التي طالت برامج إنسانية أساسية في إدلب خلال الأشهر الماضية، شملت تقليص الدعم الإغاثي، ومشاريع الصرف الصحي في المخيمات، وانخفاض تمويل برامج الغذاء والتعليم، مما يعكس توجهًا مقلقًا لتقليص الدور الإنساني في المنطقة، في وقت ما تزال فيه الأوضاع المعيشية في أدنى مستوياتها.
ومع توقف المستشفيات العامة، لم يجد السكان بديلًا سوى المراكز والمشافي الخاصة، التي تفرض رسومًا مرتفعة تتجاوز قدرة معظم الأهالي، حيث تصل تكلفة المبيت في بعضها إلى أكثر من 200 دولار لليلة الواحدة، في حين تتراوح كلفة الفحص الطبي البسيط أو الاستشارة بين 8 إلى 15 دولارًا، وهو مبلغ يفوق دخل العائلات اليومية أو الأسبوعية في ظل غياب أي دخل ثابت أو دعم حكومي.
الأثر لا يقتصر على المرضى فقط، بل يمتد إلى الطواقم الطبية العاملة في هذه المراكز، حيث وجد العديد من الأطباء والممرضين أنفسهم بلا وظائف أو برواتب متوقفة، مما يهدد بفقدان الكوادر المؤهلة نتيجة اضطرارهم للبحث عن فرص خارج المنطقة أو خارج البلاد.
ويترافق ذلك مع مؤشرات مقلقة على تراجع الوضع الصحي في المنطقة، مع ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، وعودة أمراض كانت تحت السيطرة سابقًا مثل التهاب الكبد، والأمراض التنفسية بين الأطفال وكبار السن، خصوصًا في المخيمات التي تفتقر إلى أدنى معايير النظافة أو شبكات الصرف الصحي.
وفي ظل هذا المشهد القاتم، تزداد المطالبات المحلية بتحرك عاجل للجهات المسؤولة والهيئات الإغاثية الدولية لإعادة الدعم للمرافق الصحية قبل أن تنهار بشكل كامل. فالرعاية الصحية، كما يشير الواقع اليومي للأهالي، لم تعد خدمة إضافية، بل حاجة وجودية لا تقل أهمية عن الغذاء والماء.
استمرار توقف الدعم سيعني أن مئات الآلاف سيجدون أنفسهم خارج دائرة العلاج، ما يفتح الباب أمام كارثة صحية قد تمتد آثارها لسنوات، وتزيد من تدهور الوضع الإنساني المتدهور أصلًا في إدلب ومحيطها.