تشهد مناطق متفرقة من الساحل السوري، لا سيما في ريفي اللاذقية وحماة الغربيين، موجة حرائق غير مسبوقة، أتت على مساحات شاسعة من الغابات والأحراج، مهددة التوازن البيئي وأمن السكان المحليين على حد سواء. ومع استمرار النيران في التمدد، تتزايد المخاوف من فقدان السيطرة الكاملة على الحرائق، في ظل تضاريس معقدة، وإمكانيات محدودة، وظروف مناخية ملتهبة.
مشاهد من كارثة بيئية متفاقمة
في ريف حماة الغربي، اندلع حريق واسع النطاق في الأحراج القريبة من قرية فورو. وعلى الرغم من استنفار فرق الإطفاء والدفاع المدني، إلا أن مهام الإخماد واجهت صعوبات بالغة بسبب وعورة التضاريس، والأهم من ذلك، انتشار الألغام التي ما تزال مزروعة في المنطقة منذ سنوات الحرب، والتي تسببت في شلل شبه كامل لمحاولات التدخل المباشر.
وتكرّر المشهد المأساوي في ريف جسر الشغور الغربي، حيث اشتعلت النيران في محيط قرية بكسريا، وامتدت بسرعة نحو الغابات المحاذية، مهددة قرى مأهولة بالسكان. الرياح القوية، ودرجات الحرارة المرتفعة، جعلت من السيطرة على ألسنة اللهب تحديًا مستمرًا، فيما غطّت سحب الدخان الكثيف سماء المنطقة.
في ريف اللاذقية الشمالي، لا تزال فرق الإطفاء تكافح منذ أيام لإخماد حرائق واسعة اندلعت في مناطق مثل قسطل معاف، زنزف، وربيعة. وقد أتت النيران على آلاف الدونمات من الغابات، في واحدة من أشد الكوارث الطبيعية التي شهدتها البلاد منذ سنوات. الظروف الجوية الحارة، إلى جانب تضاريس الجبال الصعبة، أعاقت تدخل فرق الإنقاذ، التي أعلنت الاستنفار الكامل.
خطر يقترب من البيوت
لم تعد الحرائق مجرد تهديد بيئي، بل تحوّلت إلى أزمة إنسانية مع اقترابها من القرى السكنية. شهدت الأيام الأخيرة إخلاء عدد من المنازل الواقعة على أطراف الغابات، تحسبًا لوصول النيران، وسط حالة من القلق الشديد بين السكان المحليين، الذين فقدوا جزءًا كبيرًا من أرزاقهم، ومصدر رزقهم الوحيد المتمثل بالأراضي الزراعية والأحراج.
فرق الإطفاء المحلية، وعلى الرغم من شجاعتها واستبسالها، اصطدمت بواقع مرير من ضعف التجهيزات، وقلة الموارد، وضيق الخيارات المتاحة. الأمر الذي استدعى تدخلاً إقليميًا، إذ دخلت فرق من الدفاع المدني الأردني إلى سوريا عبر معبر نصيب الحدودي، للانضمام إلى جهود مكافحة الحرائق. وتم إرسال هذه الفرق نحو ريف اللاذقية الشمالي لمساندة الكوادر المحلية والحد من امتداد النيران.
وبالتوازي، وصلت فرق إطفاء تركية بعد تنسيق مع السلطات السورية، للمساهمة في العمليات، مستخدمة طائرتين مروحيتين و11 آلية متخصصة، منها سيارات إطفاء وملاحق تزويد بالمياه. أكثر من 60 فريقًا من الدفاع المدني وأفواج الغابات عملوا بشكل متواصل، ضمن ظروف قاسية، في محاولة لتطويق الحرائق قبل أن تخرج عن السيطرة بشكل نهائي.
تبنٍّ خطير يشعل نيران الطائفية
في تطور مثير للقلق، نُشر بيان منسوب لتنظيم متطرف يُطلق على نفسه اسم "أنصار السنة"، تبنّى فيه مسؤوليته عن إشعال الحرائق في ريف اللاذقية الشمالي. وقد أشار البيان إلى أن هذه العمليات تأتي ضمن سياق طائفي، يهدف إلى تهجير سكان المنطقة وإحداث اختناق بيئي واسع.
هذا التصعيد في استخدام التخريب البيئي كسلاح ضمن الأجندات الطائفية يشكل منعطفًا خطيرًا، إذ يوسّع دائرة الاستهداف لتشمل الطبيعة والبيئة والسكان المدنيين معًا. استخدام النيران كسلاح مدمر في هذا السياق يفتح الباب أمام موجات متلاحقة من النزوح، ويزيد من هشاشة الاستقرار في المناطق الريفية، التي تعاني أصلاً من تدهور اقتصادي وخدماتي كبير.
الحاجة إلى خطة إنقاذ شاملة
في ظل هذه الأوضاع، تبدو الحاجة ملحّة إلى بلورة خطة وطنية متكاملة لإدارة الكوارث الطبيعية، تشمل تحديث البنية التحتية، تدريب فرق الإطفاء، وزيادة التنسيق الإقليمي والدولي في حالات الطوارئ. كما يتعين إعادة النظر في سياسات إعادة التشجير، وتأهيل المناطق المحروقة، ومعالجة الألغام والمتفجرات القديمة التي تعيق عمليات الإنقاذ.
الكارثة التي تضرب الساحل السوري اليوم ليست فقط كارثة بيئية، بل إنسانية واقتصادية واجتماعية، تهدد ما تبقى من الأمن الغذائي والتوازن الطبيعي، وتدق ناقوس الخطر أمام استراتيجيات الحماية البيئية التي يبدو أنها لا تزال غائبة أو عاجزة في مواجهة نيران الواقع.