اثار الاعلان عن تمويل البنتاغون لقوات قسد العسكرية بمئة وثلاثين مليون دولار الكثير من الحيرة عند غير المطلعين على الاستراتيجيات الاميركية لحفظ النفوذ.
والمبلغ المرصود هو جزء من ميزانية للعام الجاري من ضمن ميزانية الدفاع الاميركية.
مراسل وكالة أنباء اسيا في واشنطن طرح الموضوع على الباحث جون سالت، الموظف السابق في الخارجية الاميركية فأجاب بما يلي:
أولًا: الدعم العلني لقوات قسد وجيش التنف
الـ130 مليون دولار التي خصصها البنتاغون مؤخرًا لدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وجيش مغاوير الثورة في التنف تأتي ضمن ميزانية وزارة الدفاع الأميركية، وتحديدًا من باب تمويل عمليات مكافحة الإرهاب في إطار "عملية العزم الصلب"، وهو الاسم الأميركي للحملة ضد "داعش".
هذا الدعم عسكري وتكتيكي، هدفه:
الحفاظ على النفوذ الأميركي شمال شرقي سوريا.
مراقبة النشاط الإيراني والروسي.
منع عودة "داعش".
قطع الطريق أمام التمدد التركي.
وهذه القوى (قسد، جيش التنف) تشكل أدوات ميدانية في خدمة المصالح الأميركية، حتى لو لم تكن هذه المصالح منسجمة بالضرورة مع كل المسارات السياسية الأخرى التي تتبناها واشنطن خلف الكواليس.
ثانيًا: الرعاية غير العلنية لمشروع أحمد الشرع
في المقابل، هناك مسار سياسي مختلف كليًا تديره واشنطن (بالتنسيق مع الإمارات والسعودية والأردن وفرنسا) لدعم ما يسمى "الحل السوري الواقعي"، ويتمثل حاليًا بشخصية أحمد الشرع، الذي يُقدَّم بديلاً للنظام السوري بشار الأسد، ويحظى برعاية أميركية - عربية لإطلاق مشروع حكم انتقالي سوري مدعوم بالتمويل الخليجي والإشراف الأميركي الأوروبي.
هذا المشروع لا تعارضه واشنطن، بل تديره بهدوء عبر الدبلوماسية والسياسة والمخابرات، وليس عبر البنتاغون.
فلماذا هذا التناقض؟
الجواب الواقعي: واشنطن لا تتبنى سياسة واحدة موحّدة في سوريا، بل تدير عدة مسارات متوازية تخدم مصالحها الآنية والاستراتيجية، منها:
1. المسار العسكري/الأمني عبر قسد والتنف (يديره البنتاغون والمخابرات العسكرية).
2. المسار السياسي عبر دعم البدائل الانتقالية للأسد (يديره البيت الأبيض ووزارة الخارجية).
3. المسار الإسرائيلي الذي يسمح لتل أبيب بالقيام بعمليات عسكرية جنوب سوريا لمنع التمركز الإيراني أو صعود مقاومة جديدة قرب الجولان.
وهذه المسارات أحيانًا تتناقض ظاهريًا لكنها تخدم الغاية الكبرى:
"منع قيام سلطة مستقلة مناوئة للولايات المتحدة في سوريا، سواء كانت أسدية، إيرانية، تركية، أو حتى مقاومة شعبية سورية جديدة".
إذاً، دعم قسد وجيش التنف لا ينفي وجود دعم سياسي لمشروع الشرع. بل هو رهان مزدوج على عدة بيادق إلى أن تتضح صورة التسوية النهائية.