في خطوة أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السورية، عادت فصائل "سرايا أنصار السنة" لنشر فتوى سابقة صادرة عن مفتيها العام "أبو الفتح الشامي"، تبرّر فيها علنًا حرق الأحراش والممتلكات الخاصة والعامة في المناطق العلوية بذريعة "تخريب اقتصاد المرتدين"، وذلك بعد تبني الفصيل لحرائق اندلعت مؤخرًا في مناطق جبلية من محافظة اللاذقية.
الفتوى – التي تعود إلى نيسان الماضي – تستند إلى فقه مدرسي مأخوذ من كتب الفقهاء الأربعة، وتحاول بناء شرعية دينية لأفعال تستهدف المدنيين وممتلكاتهم، تحت عنوان "إرهاب العدو وإضعاف شوكته".
ماذا تقول الفتوى؟
الوثيقة التي نُسبت لأبي الفتح الشامي تتحدث عن "جواز" حرق ممتلكات من وصفهم بـ"المرتدين في الشام"، مستشهدًا بنصوص فقهية تعود إلى أبو البركات النسفي (الحنفي)، القاضي عبد الوهاب (المالكي)، الإمام الشافعي، والبهوتي (الحنبلي)، وجميعها تتحدث عن فقه الحرب في الإسلام ضد العدو.
في استنتاجه، يعلن المفتي:
> "يجوز حرق وتخريب دور وممتلكات المرتدين في الشام وخاصة من نصب العداء لأهل السنة... واعلموا أيها المسلمون أن تخريب ممتلكاتهم وحرقها كل ذلك جهاد في سبيل الله."
ثم يختم بما يشبه التحريض على توسيع مثل هذه الأعمال باعتبارها جزءًا من "إعلاء كلمة الله".
السياق والتوظيف السياسي
إعادة نشر الفتوى بعد أشهر من صدورها، وبالتزامن مع موجة الحرائق في مناطق ريف اللاذقية ذات الغالبية العلوية، لا يمكن فصله عن السياق الطائفي المحتدم في بعض مناطق الشمال السوري، والذي تغذيه أطراف راديكالية تسعى لإشعال الفتنة، خصوصًا مع ضعف السلطة المركزية وتشتّت الخريطة العسكرية.
وتُعد هذه الفتوى نموذجًا صارخًا لتوظيف الدين في تبرير أعمال انتقامية جماعية، تستهدف المدنيين باسم الانتماء الطائفي أو السياسي، وهو ما يضعها في خانة التحريض على جرائم حرب وفقًا للمواثيق الدولية.
من هو "أبو الفتح الشامي"؟
الاسم الحركي "أبو الفتح الشامي" يشير إلى شخصية تنتمي إلى التيار السلفي الجهادي، وتقلّد مناصب "شرعية" في عدة تنظيمات إسلامية مسلحة تنشط شمال سوريا، أبرزها "جبهة النصرة" سابقًا، ثم ما يُعرف اليوم بـ"هيئة تحرير الشام"، قبل أن ينشق عنها ويؤسس إطارًا أكثر تطرفًا تحت مسمى "أنصار السنة".
ويُعرف عنه تشدده في إصدار الفتاوى القتالية، والتي غالبًا ما تهاجم الأقليات الدينية والمذهبية، وتبرّر أعمالًا انتقامية جماعية ضد من يُصنّفون كـ"مرتدين"، حتى ولو لم يكونوا منخرطين في الأعمال العسكرية.
لا يُعرف الكثير عن هويته الحقيقية، لكنه يُعتقد أنه يحمل شهادة دكتوراه في الشريعة من جامعة دينية خارج سوريا، ويتحدث في خطاباته بلهجة فقهية صارمة، ما يضفي على خطابه مظهرًا دينيًا يغطي مضمونًا سياسيًا شديد العنف.
فتوى أبو الفتح الشامي الأخيرة تعكس منحى خطيرًا في الخطاب الديني المسلح، حيث يتم تحويل النصوص الفقهية من سياقها التاريخي في "حروب الجيوش" إلى مبرر لأعمال حرق وقتل ضد سكان محليين لا يحملون السلاح.
وتأتي إعادة نشرها لتثير تساؤلات جدية حول دور التنظيمات المتطرفة في تأجيج الصراع الطائفي، وغياب أي مساءلة حقيقية لهذا النوع من الخطاب الذي لا يهدد فقط المدنيين، بل مستقبل سوريا برمّتها.