شهدت مناطق شمال وشرق سوريا، الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية"، خلال شهر حزيران تصاعداً مقلقاً في وتيرة العنف، تجسّد في سلسلة من جرائم القتل وحالات الاقتتال العشائرية التي خلفت 21 قتيلاً وجريحاً. وتوزعت هذه الأحداث على عدد من المحافظات، أبرزها دير الزور، الرقة، الحسكة، وحلب، ما يعكس تنامي حالة الفوضى الأمنية وتدهور الاستقرار المجتمعي في تلك المناطق.
تنوّعت خلفيات هذه الجرائم بين قضايا الثأر، وخلافات عائلية، وجنايات ذات طابع إجرامي بحت، إلى جانب حالات اقتتال عشائرية اندلعت على خلفيات اجتماعية وشخصية. في المجمل، قُتل 15 مدنياً بجرائم قتل مباشرة، فيما أُصيب أو قُتل 6 آخرون في اشتباكات عشائرية مسلحة.
▪ توزيع الجرائم حسب المناطق:
دير الزور: الأعلى تسجيلاً بـ7 جرائم قتل.
الرقة: 3 جرائم قتل واشتباكات دموية.
الحسكة: 4 جرائم قتل، بينهم ضحايا في حالات اقتتال عشائري.
حلب: حادثة واحدة مروّعة راح ضحيتها مدني في منزله.
تكررت جرائم القتل في هذه المناطق بشكل بات ينذر بالخطر، حيث وقعت في بعضها حالات عنف داخل الأسرة، كما في جريمة إطلاق أب النار على ابنه، بينما سجّلت أخرى عمليات قتل غامضة لأشخاص تم العثور على جثثهم في ظروف تشير إلى التعذيب أو التصفيات.
كما كان للثأر العشائري حضور قوي في المشهد، إذ أدت مشاحنات متجددة بين عشائر وقبائل إلى اشتباكات استخدمت فيها الأسلحة النارية، متسببة في خسائر بشرية، بعضها بين أقارب من نفس العائلة. ولم تقتصر هذه الاشتباكات على القرى النائية، بل امتدت إلى المدن الكبرى والأسواق.
الاقتتالات العشائرية الثلاثة التي اندلعت هذا الشهر تحوّلت في لحظات إلى مواجهات دموية، غالبًا ما تبدأ من خلافات بسيطة كمشاجرات أطفال أو قضايا طلاق، ثم تتطور سريعاً إلى إطلاق نار متبادل، في ظل غياب آليات ضبط رادعة أو تدخلات فاعلة من الجهات الأمنية المحلية.
هذا التدهور الأمني يتزامن مع تصاعد مظاهر فوضى السلاح، حيث تنتشر الأسلحة الفردية بكثافة بين المدنيين، ما يجعل من أي خلاف قابلاً لأن يتحوّل إلى مواجهة مسلحة. كما تفتقر الكثير من المناطق إلى حضور أمني فعّال قادر على احتواء النزاعات قبل تفاقمها.
من اللافت أن الكثير من الجرائم تمرّ دون معرفة الجناة أو الدوافع الحقيقية، ما يعزز شعور المواطنين بانعدام الأمان وضعف سيادة القانون. وفي وقت تطالب فيه المجتمعات المحلية بتعزيز دور العشائر ووجهاء المناطق في احتواء النزاعات، تبقى الحاجة قائمة لتفعيل دور الدولة القانونية وضبط السلاح المنتشر خارج إطار المؤسسات.
ويحذّر مراقبون من أن استمرار هذا المسار التصاعدي في العنف يهدد النسيج الاجتماعي المحلي ويزيد من هشاشة المناطق الخاضعة لـ"الإدارة الذاتية"، ما يستدعي تحركاً عاجلاً لفرض الاستقرار ومنع انزلاق الأوضاع نحو مزيد من الفوضى والانفلات.