في خضم سنوات الحرب السورية، لم تقتصر عسكرة الحياة العامة على الشوارع والمرافق المدنية فقط، بل امتدت لتطال مؤسسات حكومية يُفترض أنها مدنية بحتة، كما حصل مع “المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية”، التي تمّ جرّها بشكل قسري إلى تنفيذ مهام ذات طابع أمني وعسكري بين عامي 2015 و2020، بأوامر مباشرة من شعبة المخابرات العسكرية.
خلال تلك الفترة، تحوّلت المؤسسة إلى ذراع فنية للأمن، حيث كُلّفت بتنفيذ عمليات كشف ومسح جيوفيزيائي في مواقع تصنّف “حساسة”، ضمن دمشق ومحيطها، بهدف رصد “شواذ تحت الأرض” قد تشير إلى وجود أنفاق، خاصة في مناطق كالغوطة الشرقية وجوبر. المهام نُفّذت تحت غطاء رسمي، وبصلاحيات مطلقة مُنحت لفريق تقني خاص شكّلته المؤسسة بإشراف مباشر من ضباط أمنيين.
قيادة الفريق أُسندت إلى شخصية تُدعى سمير الأسد، الذي مُنح صلاحيات استثنائية لم تُمنح لأي موظف مدني من قبل، ليتحوّل إلى حلقة وصل فعّالة بين المؤسسة والمخابرات العسكرية. وشمل الفريق فنيين وموظفين تم استدعاؤهم قسرًا، دون أدنى قدرة على الرفض أو الاعتراض، وفق روايات من داخل المؤسسة.
العمل تمّ داخل مقار وزارية، محيط رئاسة الحكومة، ومناطق عسكرية وأمنية مشددة الحماية، ما كشف مدى تغلغل النفوذ الأمني في مؤسسات يُفترض أن تكون بعيدة عن أي نشاط عسكري. ورغم تنفيذ أغلب المهام في مواقع لا يُرجّح فيها وجود أي أنفاق، فقد جرى لاحقًا الترويج لنتائج مبالغ فيها، تم الحديث خلالها عن “كشف 270 نفقًا”، رقم وصفه عاملون سابقون في المؤسسة بأنه محض تضخيم لخدمة أجندات داخلية.
الواقعة القتالية الوحيدة التي تدخّلت فيها المؤسسة ميدانيًا حدثت على أطراف جبهة عسكرية، وانتهت بمقتل فريق مختلط إثر انفجار نفق مفخخ. بعدها، أُعيد حصر النشاط بالمواقع المدنية، لكن ما بقي هو حالة الهيمنة الأمنية على مفاصل القرار داخل المؤسسة.
الأكثر إثارة هو أن هذه العمليات موثّقة بالكامل عبر أوامر تكليف وتحاليل فنية وتقارير مؤرخة، لا تزال محفوظة داخل المؤسسة تحت بند “سري للغاية”. معلومات متقاطعة تشير إلى أن محاولة لاحقة أُجريت لإتلاف هذه الوثائق، لكن جرى إحباطها في اللحظات الأخيرة.