في حادثة جديدة تعكس حجم الانفلات الأمني والاستغلال الممنهج لهيبة الدولة، شهد طريق المليحة – جرمانا مساءً مرعباً لمجموعة من المدنيين الذين تعرضوا للتهديد والسلب على يد عناصر يرتدون زيًا رسميًا يخص جهة أمنية، في مشهد يعيد إلى الأذهان تساؤلات قديمة–جديدة عن دور تلك المجموعات التي تتستر خلف "البدلة الأمنية" لترويع الناس والإساءة لصورة الدولة.
تفاصيل الحادثة
قرابة منتصف الليل، وأثناء عودة خمسة مدنيين (شابان وثلاث فتيات) من مناسبة اجتماعية، استوقفتهم نقطة تفتيش غير مألوفة قرب المليحة.
طلب العناصر هويات الركاب، وبدأوا بتوجيه أسئلة استفزازية بمجرد اكتشاف أن الفتيات ينتمين لطائفة دينية محددة. التصعيد جاء سريعًا: تهديدات صريحة، أوامر بالنزول تحت تهديد السلاح، وضرب للسائق البالغ من العمر خمسين عامًا. ثم أُجبر الشاب الآخر على تسليم الهواتف المحمولة والمبالغ المالية التي بحوزة الجميع، مقابل السماح لهم بالمغادرة وعدم "الاقتياد إلى قسم الشيخ".
استغلال واضح للزي الرسمي
المثير للقلق في هذه الحادثة ليس فقط العنف والسلب، بل استخدام رموز الدولة ولباسها الرسمي كأداة للابتزاز. هذا النوع من الانتهاكات يوجه ضربة قاسية لثقة الناس بمؤسسات الأمن، خصوصًا في مناطق تكثر فيها الحواجز ولا يتم التحقق من شرعيتها.
الضحايا، الذين تمكنوا من العودة إلى جرمانا بسلام، توجهوا لتقديم شكوى رسمية، حيث أخبرهم أحد الضباط بأن هذه الحادثة ليست الأولى، وأن وقائع مشابهة وقعت خلال الأسابيع الماضية، مرجّحًا أن تكون "مجموعة تنتحل صفة أمنية".
أزمة ثقة تتوسع
هذه الحوادث تسهم بشكل مباشر في تآكل ما تبقى من الثقة الشعبية بالمؤسسات الأمنية، خاصة عندما تغيب الاستجابة السريعة وتُترك الشكاوى دون متابعة حقيقية. أهالي المنطقة أبدوا سخطهم العلني، ليس فقط بسبب الرعب الذي سببه المشهد، بل من تكرار هذه التصرفات دون محاسبة، حتى بات البعض يتجنب المرور ليلاً من مناطق معينة رغم أنها داخل مناطق "سيطرة كاملة".
أمام هذه الوقائع، تبرز حاجة ملحّة لتحرك حكومي جاد لكشف هوية المتورطين ومحاسبتهم، سواء كانوا عناصر أمن فعليين أو منتحلين للصفة. فالسكوت المستمر أو تغليف الحقيقة بـ"الاحتمالات" لا يخدم إلا الطرف المتورط، ويترك المواطن عرضة للاعتداء والخوف الدائم.
كما بات من الضروري إنشاء آلية رقابية فعّالة للتحقق من كل نقطة تفتيش أو حاجز يتم إنشاؤه، وخاصة في المناطق الحيوية التي تشهد حركة مدنية ليلية. كذلك يجب تسهيل آليات تقديم الشكاوى، وتوفير حماية للمبلّغين، وضمان ألا تتحوّل الأجهزة الرسمية إلى مظلّة للفساد أو العنف باسم القانون.