في مشهد يعكس الأمل بعد سنوات من الانتظار، يشهد شمال شرقي سوريا حراكًا ملحوظًا نحو إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، ضمن سياسة تفكيك تدريجية للمخيمات التي طال بها المقام. فقد شهد شهر حزيران الجاري عودة مئات النازحين من مخيمي العريشة والهول في محافظة الحسكة، إلى مدنهم وبلداتهم في دير الزور وحلب، بعد استكمال الإجراءات التنظيمية والأمنية المطلوبة.
في أوائل حزيران، غادرت عشرات العائلات مخيم العريشة الواقع جنوب الحسكة، باتجاه دير الزور. رحلة العودة هذه، التي ضمت أكثر من 300 شخص، جاءت ثمرة تنسيق مكثف بين الهيئات المحلية والجهات الداعمة للعمل الإنساني، وسط حرص واضح على توفير الحد الأدنى من متطلبات العودة الآمنة والكريمة.
لاحقًا، وفي منتصف الشهر ذاته، سلكت قافلة جديدة طريق العودة، هذه المرة من مخيم الهول، نحو مدينة حلب. 42 عائلة كانت ضمن الدفعة، انتظمت في ساحات التجمع داخل المخيم قبل أن تبدأ رحلتها، التي حملت معها مشاعر متباينة بين فرحة العودة ومخاوف البداية من جديد.
أما في الأيام الأخيرة من الشهر، فقد شهد المخيم دفعة ثالثة من العائدين باتجاه دير الزور، حيث تم تنظيم مغادرة أكثر من 240 نازحًا، في إطار عمليات مستمرة تهدف لتقليص عدد المقيمين في المخيمات بشكل تدريجي ومدروس.
هذه العودة لا تحدث بصورة عشوائية، بل تخضع لعملية تنظيم دقيقة تشمل التسجيل المسبق، التحقق من الوضع الأمني، والتنسيق مع الفرق المختصة لضمان الحد الأدنى من مقومات الاستقرار في وجهتهم الجديدة. يُمنح العائدون نوعًا من الدعم الأولي، يسمح لهم بإعادة ترتيب أوضاعهم، والبدء من جديد، وسط بيئة ما زالت تتعافى من آثار الحرب.
اللافت في هذه التحركات، أنها تعكس رغبة حقيقية لدى الكثير من العائلات في طي صفحة اللجوء والبدء من جديد، رغم التحديات الكبرى التي تنتظرهم في مناطقهم الأصلية. العودة ليست فقط قرارًا إداريًا أو أمنياً، بل خيار إنساني يمليه الحنين إلى الأرض، والبحث عن حياة أكثر طبيعية خارج أسوار المخيم.
سياسة تفكيك المخيمات في سوريا الشرقية، وإن كانت تتطلب وقتًا وإمكانات كبيرة، تمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء ملف النزوح طويل الأمد، وإعادة بناء النسيج المجتمعي الذي تآكل بفعل سنوات من التشظي والشتات. وهي في الوقت نفسه رسالة واضحة بأن بريق الأمل لا ينطفئ، وأن طريق العودة، مهما طال، لا بد أن يُفضي إلى البيت.