بعد مضي ستة أشهر على سقوط النظام السابق، يواجه آلاف السوريين ممن خضعوا لإجراءات التسوية وضعًا قانونيًا معقدًا نتيجة انتهاء صلاحية بطاقاتهم المؤقتة، التي كانت قد وُزعت عقب التحول السياسي كوثائق تمنحهم حرية الحركة وتبعدهم عن الملاحقة.
هذه البطاقات، التي اعتُبرت خطوة انتقالية لضمان دمج الأفراد في الحياة المدنية، انتهى مفعولها رسميًا مع بداية شهر آذار دون صدور بديل رسمي أو قرار واضح من الجهات المعنية. ومع غياب التوجيهات الجديدة، أصبح أصحاب هذه البطاقات في مواجهة مباشرة مع فراغ قانوني يحدّ من حقوقهم الأساسية ويهدد استقرارهم اليومي.
فمنذ انتهاء صلاحيتها، لم يعد بإمكان حاملي هذه البطاقات التنقل بحرية، إذ تُمنع حركتهم عند الحواجز أو يُطلب منهم إثبات وضعهم القانوني دون وجود وثائق صالحة. كما تُمنع عليهم المعاملات الرسمية، مثل استخراج أوراق ثبوتية، إجراء معاملات عقارية، أو حتى مراجعة المؤسسات الحكومية. هذا الانقطاع لم يترك أثرًا إداريًا فحسب، بل أثّر نفسيًا واجتماعيًا على شريحة واسعة من المواطنين الذين التزموا بإجراءات التسوية وتخلّوا عن العمل المسلح، أملاً في حياة مستقرة تحت مظلة القانون.
المشكلة لا تكمن فقط في انتهاء صلاحية هذه الوثائق، بل في غياب رؤية واضحة لمعالجة الملف، أو آلية بديلة تسدّ هذا الفراغ، ما فتح الباب أمام مخاوف من أن تتحول هذه الفئة إلى ضحايا لتقلبات المرحلة، رغم أن المرحلة الراهنة تتطلب إجراءات قانونية استيعابية، لا إقصائية.
وتترك هذه الحالة الكثير من التساؤلات معلقة: هل هناك نية لإصدار بطاقات دائمة أو وثائق قانونية جديدة؟ هل يجري التحضير لإعادة هيكلة نظام الهوية والتوثيق في البلاد؟ وهل ستُؤخذ بعين الاعتبار الحالات الخاصة للذين التزموا بمسار التسوية كجزء من عملية الانتقال الوطني؟
التداعيات تتوسع، خاصة في المناطق التي شهدت تسويات واسعة، حيث تُسجَّل يوميًا حالات توقيف مؤقت على الحواجز، ومنع من السفر أو تأخير في المعاملات الإدارية، إضافة إلى شعور عام بالإقصاء القانوني. وما يزيد من خطورة الوضع هو أن هذه الفئة من المواطنين لم تعد تملك أي وسيلة قانونية لحماية نفسها، أو حتى إثبات وضعها المدني، في بلد يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى استقرار اجتماعي وقانوني حقيقي.
في ظل هذه الفوضى القانونية، تبدو الحاجة ملحة لتدخل عاجل من الحكومة المؤقتة أو الجهات التشريعية، من أجل إقرار منظومة قانونية بديلة، تضمن الحقوق المدنية لكل من التزم بخيارات التسوية، وتمنع تحوّلهم إلى فئة "معلّقة" لا هي في السجلات الرسمية ولا خارجها.