في تطور لافت يعكس تحولات متسارعة في مسار العدالة داخل سوريا، نفذت الجهات الأمنية في محافظة اللاذقية عملية اعتقال طالت أحد أبرز القادة العسكريين السابقين، والذي كان يشغل منصبًا رفيعًا في جيش النظام خلال سنوات الحرب. الرجل المعتقل هو قائد سابق للفرقة الثالثة مدرعات، وهي واحدة من التشكيلات العسكرية التي لطالما ارتبط اسمها بالقمع والانتهاكات، خصوصًا خلال المواجهات التي جرت في المناطق الثائرة في البلاد.
العملية، التي تمّت بهدوء نسبي، تمثل خطوة جديدة ضمن ما يُشار إليه مؤخرًا بمحاولات تنفيذ "عدالة انتقالية" تسعى إلى تحميل المسؤولية لمن ارتكبوا جرائم بحق السوريين، بصرف النظر عن مواقعهم السابقة أو أدوارهم في أجهزة السلطة. ويُنظر إلى هذه الاعتقالات على أنها رسائل مزدوجة: أولًا باتجاه الرأي العام المحلي والعائلات التي عانت لسنوات من انتهاكات ممنهجة، وثانيًا باتجاه المجتمع الدولي الذي ما زال يطالب بآليات حقيقية للمحاسبة ووقف الإفلات من العقاب.
الشخصية الموقوفة يُحمّلها كثيرون مسؤولية مباشرة عن ممارسات وصفت بالوحشية، خاصة على أحد الحواجز العسكرية الشهيرة، والذي لطالما ارتبط اسمه بالخوف والدم. هذا الحاجز، الذي كان يسيطر عليه، أصبح رمزًا للعنف المفرط ومكانًا عُرف بمصير مجهول للعديد من المدنيين الذين مروا عبره.
الجهات المعنية قامت بنقل المعتقل إلى إدارة مختصة، حيث يخضع حاليًا للتحقيقات الأولية تمهيدًا لإحالته إلى الجهات القضائية. هذا الإجراء يأتي في وقت حساس تمر فيه البلاد بمرحلة دقيقة تتداخل فيها مطالب العدالة مع مخاوف من عمليات انتقامية قد تخرج عن السيطرة إذا لم تُضبط بإطار قانوني صارم وواضح.
يُجمع مراقبون على أن هذه الخطوة – رغم رمزيتها – لا تكفي وحدها لإعادة الثقة بين المجتمع والمؤسسات، لكنها قد تكون بداية لتكريس ثقافة المحاسبة ورفض التسلط. المهم الآن، بحسب آراء شعبية متداولة، هو ضمان الشفافية في سير التحقيقات، ومنع أي تدخل سياسي أو أمني قد يفرغ الخطوة من مضمونها، أو يحوّلها إلى مجرد تصفية حسابات.
كما يُشدد كثيرون على أهمية الحفاظ على المسار القانوني وعدم الانجرار وراء التصعيد أو الانتقام، فالمجتمع الذي أنهكته الحرب بحاجة ماسة اليوم إلى إصلاح منظومة العدالة، لا إلى تكرار ممارسات ماضية كرّست الشعور بالظلم.
في النهاية، يبقى اعتقال أحد أبرز القيادات العسكرية السابقة حدثًا ذا دلالة، لكنه أيضًا اختبار حقيقي لنية المؤسسات الجديدة، إن وُجدت، في طي صفحة الماضي عبر القانون لا بالدم.