اتخذت قيادة الأمن الداخلي في محافظة حمص خطوة جديدة تهدف إلى فرض المزيد من الانضباط الأمني، من خلال إصدار تعميم رسمي يقضي بمنع ارتداء اللثام أو تغطية الوجه من قبل العناصر الأمنية أثناء تأدية مهامهم، سواء على الحواجز أو ضمن الدوريات والمهام الخاصة.
هذا القرار، الذي صدر في 22 حزيران الجاري، يعتبر الأول من نوعه على مستوى المحافظات السورية، ويأتي في وقت تزايدت فيه حالات الجريمة المنظمة، والعمليات التي نُفّذت من قبل أشخاص مجهولين الهوية كانوا يرتدون اللثام ويدّعون الانتماء إلى القوى الأمنية، ما أثار قلقاً متنامياً بين المواطنين.
منع اللثام يعكس محاولة لزيادة الشفافية والانضباط داخل الجهاز الأمني، ويسعى لتقليص الهوة المتسعة بين السكان والجهات المسؤولة عن حمايتهم، خصوصًا مع تكرار الحوادث التي ارتُكبت من قبل أفراد ملثمين مجهولي الهوية في مناطق مختلفة من البلاد. هذه الجرائم تنوعت بين سرقات مسلحة، مشاجرات ذات طابع عائلي، وتصفية حسابات، إضافة إلى نشاط متزايد في تجارة المخدرات، وجميعها ساهمت في تفاقم الشعور بعدم الأمان.
في ظل هذا الواقع، يأتي القرار كرسالة واضحة إلى أن السلطة الأمنية في حمص تسعى لفرض قواعد أكثر صرامة فيما يخص هوية من يمارس العمل الأمني، وطمأنة السكان بأن العناصر التي تواجههم في الشارع مكشوفة الوجه ويمكن التحقق من هويتها، وبالتالي تحميلها المسؤولية في حال حدوث أي تجاوز.
كما يأتي التعميم بعد أشهر من الجدل الذي أُثير في العاصمة دمشق، عقب تداول معلومات غير رسمية حول منع استخدام اللثام من قبل عناصر الأمن هناك. إلا أن الفرق الجوهري في حمص، أن القرار هذه المرة صدر بشكل مباشر وعلني، وهو ما أعطاه طابعًا رسميًا واضحًا، يمكن أن يشكّل بداية لتعميم مماثل في محافظات أخرى.
من ناحية ثانية، يأتي هذا الإجراء في وقت تعاني فيه البلاد من تصاعد معدلات الجريمة. وتشير بيانات متداولة إلى أن عدد الجرائم الجنائية وجرائم القتل "ضد مجهول" بلغ منذ بداية عام 2025 نحو 40 جريمة في محافظات متعددة. كما تحتل سوريا حاليًا المرتبة الأولى عربيًا في معدل الجريمة بحسب مؤشرات قياس عالمية، في ظل تفكك مؤسسات الدولة وغياب سيادة القانون في العديد من المناطق.
قرار منع اللثام لا يمكن اعتباره حلاً جذريًا، لكنه خطوة يمكن أن تساهم في بناء قدر أكبر من الثقة بين المواطن والأجهزة الأمنية، شريطة أن تُستكمل بإجراءات شفافة لمحاربة الفساد وتوضيح آليات المحاسبة، خصوصًا في ظل استمرار الخروقات والانتهاكات التي يرتكبها بعض العناصر خارج القانون.
الشارع السوري اليوم بحاجة إلى ما هو أكثر من تعاميم، بحاجة إلى دولة قانون، وعناصر أمن تؤدي دورها بوجه مكشوف، ومسؤولية واضحة، بعيدًا عن مظاهر الترهيب أو الغموض.