بيوت النازحين تُباع بثمن التراب في الشمال السوري

سامر الخطيب

2025.06.23 - 10:10
Facebook Share
طباعة

 
تشهد أسواق العقارات في مناطق الشمال السوري حالة من الجمود والركود، في ظل تصاعد موجة بيع منازل النازحين بأثمان زهيدة، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تحاصر الأهالي، والضغوط المتزايدة على من اضطروا للعودة إلى قراهم ومناطقهم المدمّرة.

هذه الموجة لم تكن مجرّد تقلبات في العرض والطلب، بل تكشف عن مشهد قاسٍ من الاستغلال، حيث تتدافع المكاتب العقارية وبعض التجار لشراء ممتلكات النازحين بأقل من ربع قيمتها الحقيقية، في وقت يبحث فيه هؤلاء عن أي مبلغ يمكن أن يساعدهم في إعادة إعمار منازلهم الأصلية، بعد سنوات من التهجير القسري.

في السنوات الماضية، ازدهرت حركة البيع والشراء في الشمال السوري، خاصة في المناطق القريبة من الحدود التركية، التي شكّلت ملاذًا آمنًا نسبيًا للهاربين من بطش الحرب. لكن مع عودة تدريجية لعدد من السكان إلى قراهم بعد تراجع القتال، ظهرت موجة جديدة من عمليات البيع القسري، مدفوعة بالحاجة إلى تمويل إعادة الإعمار، ولو على حساب خسارة سكن بديل تم شراؤه أو بناؤه خلال فترات النزوح.

يعرض كثير من الأهالي منازلهم للبيع وسط كثافة في المعروض وشح شديد في الطلب، ما خلق بيئة خصبة لاستغلالهم. وتشير التقارير الميدانية إلى أن الكثير من المنازل تُباع اليوم مقابل 10% إلى 30% من كلفتها الأصلية، وهو ما يعدّ نوعًا من الإفقار القسري لمن أنهكتهم سنوات الحرب والتشريد.

عمليات البيع هذه لا تتم بدافع التخلي، بل بدافع الحاجة، فالأهالي الذين يحاولون العودة إلى مناطقهم الأصلية يصطدمون بواقع مرير: منازل مدمّرة تحتاج إلى إصلاح، ومناطق تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات، وأعباء معيشية لا تطاق. وبين الرغبة في العودة والحاجة إلى إعادة بناء الحياة من جديد، يجد كثيرون أنفسهم مجبرين على بيع بيوتهم التي كانت تؤويهم خلال فترات النزوح.

ورغم ضخامة هذه الأزمة، لا توجد حتى الآن أي إجراءات واضحة من قبل الجهات المعنية أو الفاعلين في المنطقة لحماية هؤلاء من الوقوع ضحايا لهذا النوع من الاستغلال. كما تغيب السياسات التي يمكن أن تؤمّن لهم الحد الأدنى من الدعم، سواء لإعادة الإعمار أو لتثبيت ملكيتهم أو ضمان خيارات سكن بديلة.

تتعمّق المأساة مع مرور الوقت، حيث يجد النازح نفسه خاسرًا في كل الاتجاهات: بيته السابق مدمّر، ومنزله الحالي يباع بخسارة فادحة، ومستقبل العائلة معلّق بين ضغوط الحاجة وغياب الحلول.

هذه الوقائع تلقي الضوء على جانب جديد من تداعيات الحرب، حيث لا تكفي نهاية النزوح لإعادة الأمور إلى نصابها، بل تنفتح على معركة أخرى، عنوانها الاستغلال والفقر، في ظل غياب كامل للعدالة والدعم.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 2