شهدت العاصمة السورية دمشق مساء الأحد، 22 حزيران، واحدة من أفظع الهجمات الإرهابية التي استهدفت المدنيين، حين أقدم انتحاري على تفجير حزام ناسف داخل كنيسة مكتظة بالمصلين خلال أداء شعائر دينية. وأسفر الهجوم المروّع عن مقتل 22 شخصًا وإصابة 63 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، في مشهد دموي هز وجدان السوريين والعالم.
يُعتبر هذا التفجير هو الأول من نوعه في سوريا الذي يستهدف مصلين داخل كنيسة أثناء أداء طقوسهم الدينية، مما يشكل تصعيدًا خطيرًا في استهداف دور العبادة والمكوّنات الدينية المختلفة، في وقت تعاني فيه البلاد من اضطرابات أمنية مزمنة.
استهداف الطمأنينة وسط العبادة
الكنيسة التي تعرّضت للهجوم تقع في حي الدويلعة، أحد الأحياء الدمشقية المعروفة بتنوعها الطائفي والسكاني. خلال قدّاس مسائي، تسلل أحد الانتحاريين وفجّر نفسه وسط المصلين، مخلفًا مجزرة بشعة ودمارًا في المكان. لحظات الرعب كانت كافية لتحوّل مناسبة دينية إلى كارثة وطنية، حيث هرعت فرق الإسعاف لانتشال الجثث ونقل الجرحى إلى المستشفيات.
الدمار لم يكن فقط في الجدران والزجاج، بل في النفوس والقلوب، إذ تسبب الانفجار بحالة من الذعر والخوف بين الأهالي، وأعاد إلى الأذهان مشاهد مريرة من سنوات الحرب والصراع.
خلفية عن تصاعد التهديدات
لطالما كانت دور العبادة في سوريا بمنأى نسبيًا عن الاستهداف المباشر، باستثناء حالات التخريب والنهب التي شهدتها بعض الكنائس والأديرة في فترات سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على مناطق من البلاد، وخاصة في الحسكة عام 2015. إلا أن ما حدث في كنيسة الدويلعة يمثل نقلة خطيرة نحو العنف الطائفي المباشر، وهو ما يثير مخاوف كبيرة من محاولات حثيثة لإشعال فتنة دينية في مجتمع أنهكته الحرب والتهجير والفقر.
ردود فعل محلية ودولية
الصدمة لم تقتصر على الداخل السوري، بل تخطت الحدود، حيث توالت ردود الأفعال المحلية والدولية المنددة. المسؤولون في سوريا أكدوا أن هذا العمل الإجرامي يستهدف النسيج السوري بكل مكوناته، وليس فئة بعينها، في محاولة لبث الفرقة وإظهار الدولة بمظهر العاجز عن حماية شعبها.
على الصعيد العربي، عبّر لبنان عن تضامنه الكامل، مؤكدًا أن ما جرى يهدد وحدة سوريا واستقرارها. وصدرت مواقف مشابهة من العراق والأردن والبحرين والإمارات وقطر، حيث تم التأكيد على ضرورة حماية دور العبادة ورفض استهداف المدنيين تحت أي ذريعة.
أما دوليًا، فقد دانت الأمم المتحدة الحادث بشدة، وطالب مبعوثها الخاص إلى سوريا بإجراء تحقيق شفاف وشامل. كما أعربت دول كفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا عن تضامنها مع الشعب السوري، مؤكدين أن الإرهاب لا يمكن أن يكون وسيلة للتعبير عن أي قضية، وأن احترام الحريات الدينية خط أحمر لا يجب تجاوزه.
عودة مقلقة لنشاط "داعش"
يأتي هذا الهجوم في ظل تحذيرات متكررة من عودة نشاط تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، حيث تشير تقارير إلى زيادة عدد هجمات التنظيم خلال الأشهر الماضية، واستقطابه لمقاتلين جدد، بل وتحضيره لمحاولات تهريب جماعية لمعتقليه في سجون قوات سوريا الديمقراطية.
ورغم مرور سنوات على إعلان "النصر" على التنظيم، إلا أن بقاياه لا تزال حاضرة في المشهد السوري، مستغلة هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية لتعيد زرع بذور الفوضى والعنف، كما في هذا الهجوم الدامي.
المجتمع يرفض الإرهاب
أظهرت ردود الأفعال الشعبية في سوريا بعد التفجير إجماعًا وطنيًا على رفض الإرهاب والتفرقة، وتجديدًا للرغبة في العيش المشترك بين كل المكونات الدينية والعرقية في البلاد. ورغم الألم والغضب، تمسك الأهالي بخيار الصمود ووحدة الصف، وعبّر كثيرون عن ضرورة أن يكون الرد على هذه الجريمة مزيدًا من التكاتف لا الانقسام.
في المقابل، تجددت الدعوات لتعزيز الإجراءات الأمنية حول دور العبادة، وتنشيط التعاون الأمني والاستخباراتي لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، ووضع حد لخلايا التنظيمات المتطرفة التي تسعى لتقويض أي استقرار ممكن في البلاد.
خاتمة
الهجوم على كنيسة مار إلياس ليس مجرد تفجير دموي، بل رسالة سوداء تريد النيل من فكرة التعايش والسلام. لكنه أيضًا لحظة مفصلية تكشف الحاجة الماسة لتكثيف الجهود الوطنية والدولية في محاربة الإرهاب، ومواجهة الفكر المتطرف، وحماية الأبرياء مهما كانت انتماءاتهم. لقد دفع السوريون الكثير، وما يزالون، في طريقهم نحو السلام، ولكن وحدتهم ورفضهم للفتنة تظل الحصن الأول في وجه كل محاولات التقسيم والدمار.