شهدت ساحة العاصي في مدينة حماة مساء أمس وقفة جماهيرية شارك فيها عدد من الأهالي تعبيرًا عن دعمهم لمسار سياسي جديد في البلاد، وتأكيدًا على تطلعهم نحو مرحلة تقوم على المحاسبة والعدالة، وبناء دولة القانون بعيدًا عن ممارسات الفوضى والانفلات.
ورغم الأجواء التي بدت هادئة في ظاهرها، سرعان ما تحولت الوقفة إلى مثار جدل واسع، بعد أن صدرت عن أحد المشاركين تصريحات شديدة اللهجة، تضمّنت تهديدًا صريحًا باستخدام العنف ضد كل من يطالب بكشف مصير المعتقلين والمفقودين أو بمحاسبة المتورطين في الانتهاكات خلال السنوات الماضية.
العبارات التي نُطقت علنًا وبالصوت والصورة، تضمنت تهديدًا بـ"قتل كل من يطالب بالحقيقة"، في موقف أثار استهجان شريحة كبيرة من المواطنين الذين اعتبروا هذه اللغة بمثابة عودة لأدوات القمع التي سعت البلاد للخروج منها. وعبّر البعض عن خشيتهم من أن يكون هذا الخطاب مقدّمة لإعادة تفعيل أدوات الترهيب الطائفي والسياسي.
وما زاد من حجم الغضب أن تلك التصريحات جاءت في ساحة عامة، وأمام أعين عشرات المواطنين، في وقت يُفترض فيه أن تكون حرية التعبير واحترام الرأي الآخر من أساسيات المرحلة الجديدة. إذ يرى كثيرون أن مثل هذا النوع من الخطاب، مهما كانت نوايا مطلقيه، يحمل رسائل سلبية تتناقض مع تطلعات السوريين نحو المصالحة الوطنية وإرساء العدالة.
الحادثة فتحت الباب مجددًا أمام نقاش واسع حول أهمية ضبط الخطاب العام، وضرورة التصدي لأية محاولات لتحريف المسار المدني باتجاه التهديد والتخوين. واعتبر العديد من المتابعين أن ما جرى في ساحة العاصي ليس مجرد زلة لسان، بل مؤشر على أن هناك أطرافاً لا تزال تراهن على لغة العنف لمنع السوريين من المطالبة بحقوقهم الأساسية.
يُشار إلى أن موضوع المعتقلين والمفقودين يُعد من أكثر الملفات حساسية في البلاد، ويشكّل أحد العناوين الرئيسة لأي عملية مصالحة حقيقية أو انتقال سياسي. كما أن الدعوات المتكررة من قبل الأهالي والناشطين للكشف عن مصير ذويهم، تُقابل عادة بصمت أو تجاهل، ما يعزز من مشاعر الغبن والقلق بين شرائح واسعة من المجتمع.
المشاركون في الوقفة، ورغم استنكارهم لتلك التصريحات، شددوا على تمسكهم بالسلم الأهلي، ورفضهم لأي دعوات للانتقام أو العنف، مؤكدين أن العدالة لا تُبنى بالتخوين، بل عبر مؤسسات قضائية عادلة، وإطار جامع يعترف بجراح الماضي ويعمل على معالجتها بطرق شفافة ومنصفة.
وفي ظل هذه الأجواء، تتعالى الأصوات المطالبة بفتح تحقيق فيما جرى، واتخاذ خطوات واضحة لضمان عدم تكرار هذا النوع من التحريض، والعمل على حماية حق المواطنين في التعبير والمطالبة بالعدالة، بوصفه ركيزة لأي مشروع وطني حقيقي يستهدف بناء سوريا للجميع، لا سوريا الخوف من السؤال.