منذ أشهر، تعاني أحياء واسعة من مدينة القامشلي شمالي محافظة الحسكة من انقطاع شبه تام لمياه الشرب، في ظل صيف لاهب وارتفاع متواصل في درجات الحرارة، الأمر الذي فاقم من معاناة الأهالي اليومية وسط غياب أي خطوات تنفيذية فعالة لمعالجة الأزمة.
ما يميز هذه المشكلة أنها لا ترتبط بمحطة علوك التي تغذي مدينة الحسكة وتعاني من انقطاعات متكررة بسبب ظروف السيطرة عليها، بل ترتبط مباشرة بآبار تقع ضمن محيط القامشلي، والتي لطالما كانت مصدر المياه الرئيسي للمدينة. هذه الآبار لا تزال موجودة وقادرة على تغطية الحاجة الأساسية، لكن تشغيلها لا يتم بشكل منتظم، وسط شكاوى من سوء إدارة الموارد وغياب خطط صيانة واضحة.
يواجه سكان القامشلي ضغوطًا متزايدة في ظل أزمة المياه، التي تترافق مع أزمات خدمية أخرى تتعلق بانقطاع الكهرباء، وتردي شبكة الطرق، وتراجع ملحوظ في الخدمات البلدية. ويؤكد الأهالي أن شكاواهم ومناشداتهم المتكررة لم تلقَ أي تجاوب ملموس، سواء على مستوى البلديات المحلية أو الجهات المشرفة على المرافق العامة.
وبحسب ما يتم تداوله محليًا، فإن جذور المشكلة تتعلق بعوامل فنية وإدارية، منها تعطل بعض مضخات المياه، وعدم صيانة خطوط الشبكة التي تنقل المياه من الآبار إلى الأحياء السكنية، إضافة إلى توقف عدد من الآبار عن العمل بسبب نقص الكوادر أو ضعف الإشراف الفني. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى توقف الضخ المنتظم، وحرمان العديد من المناطق من مياه الشرب لفترات طويلة.
البدائل المتوفرة للسكان تبقى محدودة ومكلفة، حيث يلجأ البعض لشراء المياه من الصهاريج الخاصة التي تنقلها من أطراف المدينة أو من قرى قريبة، ما يثقل كاهل العائلات بتكاليف إضافية لا يمكن تحملها على المدى الطويل، خاصة في ظل تراجع مستوى الدخل وانتشار البطالة.
في الوقت نفسه، يطالب السكان بإعادة تشغيل الآبار المتوقفة، وتنفيذ عمليات صيانة عاجلة لشبكة المياه الداخلية، إضافة إلى تحسين آليات الرقابة على توزيع المياه ومنع التجاوزات أو الهدر. كما يشددون على ضرورة وضع خطة طارئة تُراعي خصوصية فصل الصيف وارتفاع الطلب على المياه، وتضمن الحد الأدنى من الاستقرار الخدمي.
ورغم التحديات التي تواجهها مؤسسات الخدمة العامة في المدينة، يبقى حق الحصول على مياه نظيفة ومستقرة مطلبًا أساسيًا لا يمكن تجاهله، خصوصًا أن المدينة لا تواجه مشكلة في الموارد الطبيعية، بل في إدارتها وتشغيلها بالشكل الصحيح.
ومع استمرار الأزمة، تتجه الأنظار إلى الجهات المسؤولة لاتخاذ خطوات عملية تعيد المياه إلى منازل القامشلي، وتخفف من وطأة العطش الذي يلاحق السكان يومًا بعد يوم، في انتظار حلول لا يبدو أنها قريبة حتى الآن.