تشهد مناطق شمال وشرق سوريا تغيرات ملحوظة في خارطة التواجد العسكري للقوات الأمريكية، إذ بدأت بوادر إعادة تموضع واضحة، سواء من خلال انسحابها من بعض القواعد أو تعزيز وجودها في مواقع أخرى. هذا التحرك يفتح باب التساؤلات حول مستقبل النفوذ الأمريكي في المنطقة، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة والتغيرات على الأرض.
من بين أبرز القواعد التي باتت خالية منذ نحو عامين، قاعدة "تل بيدر" الواقعة شمال محافظة الحسكة. القاعدة التي كانت تضم عدداً محدوداً من عناصر التحالف، يتراوح بين 15 و20 عنصراً، لم تعد تحتضن أي وجود أمريكي منذ فترة، بعد أن تم نقل الفريق العامل فيها إلى قاعدة أمريكية أخرى ضمن المنطقة. ومع غياب القوات، تحوّلت القاعدة إلى موقع غير نشط عسكرياً، وسط تساؤلات عن مصيرها واستخداماتها المستقبلية.
في المقابل، لا تزال قاعدة "الوزير" الواقعة أيضاً ضمن مناطق شمال شرق سوريا تشهد استقراراً في التواجد الأمريكي، دون أي تغيير يُذكر في عدد القوات أو طبيعة المهام الموكلة إليها. التواجد الأمريكي فيها مستمر، في مؤشر على الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها القاعدة ضمن خطط واشنطن في المنطقة.
وفي تطور لافت، كانت قد رُصدت خلال الأسابيع الماضية تحركات انسحاب أمريكية من قاعدتين رئيسيتين في ريف دير الزور الشرقي، هما قاعدة "العمر" النفطية و"كونيكو" للغاز. بدأت عمليات الانسحاب بشكل تدريجي منذ منتصف أيار، قبل أن تتسارع مطلع حزيران. وقد شهدت تلك الفترة تحركات مكثفة لأرتال عسكرية تضم عربات مصفحة ومعدات لوجستية، تزامنت مع تحليق كثيف للطيران التابع للتحالف الدولي، في خطوة عكست أهمية أمنية لتلك التحركات.
القاعدتان، وخاصة قاعدة حقل العمر، تُعتبران من أكبر المواقع الأمريكية في سوريا، وقد تعرضتا خلال العامين الماضيين لعدة هجمات من قبل مجموعات موالية لإيران، وهو ما يُرجح أن يكون أحد العوامل التي دفعت إلى إعادة النظر في تموضع القوات داخل تلك المواقع.
عقب الانسحاب، تولّت قوات "الكوماندوس" التابعة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" السيطرة على المواقع التي أخليت، ما يشير إلى وجود تنسيق مستمر بين الجانبين رغم تراجع الوجود العسكري المباشر.
التحركات الأمريكية الأخيرة، سواء عبر تقليص التواجد أو إعادة الانتشار، تعكس تغيّراً في الاستراتيجية الميدانية. ورغم الانسحابات، لا يبدو أن واشنطن تنوي إنهاء وجودها الكامل في سوريا، بل تسعى على ما يبدو إلى إعادة توزيع قواتها بما يتناسب مع التحديات الأمنية والتوازنات الإقليمية المستجدة.
في هذا السياق، تواصل الأنظار التوجه إلى شمال وشرق سوريا، حيث لا يزال المشهد مفتوحاً على احتمالات متعددة، بين التهدئة أو التصعيد، في ظل تداخل القوى الفاعلة وتغير حسابات المصالح.