دمشق بلا ماء: عين الفيجة تجف

رزان الحاج

2025.06.17 - 11:27
Facebook Share
طباعة

 تواجه العاصمة السورية دمشق وريفها واحدة من أشد أزمات المياه في تاريخها الحديث، مع التراجع الحاد في منسوب نبع عين الفيجة، المصدر الأساسي لمياه الشرب في المنطقة، والذي كان يغطي احتياجات قرابة 80% من السكان.


عين الفيجة، التي طالما اعتُبرت شريان الحياة لدمشق، لم تعد تتدفق كما اعتادها الناس. موسم الأمطار هذا العام كان كارثيًا، إذ لم تتجاوز معدلات الهطول 30% من المعدل الطبيعي، ما انعكس مباشرة على غزارة النبع، وأدى إلى عجز واضح في شبكة المياه العامة.


الواقع اليومي للسكان أصبح أكثر قسوة، إذ اضطر الآلاف منهم إلى شراء المياه من الصهاريج الخاصة بأسعار باهظة. خمس براميل من المياه قد تكلف عائلة ما يصل إلى 75 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ يفوق قدرة العديد من الأسر التي تعاني أساساً من ضغوط اقتصادية ومعيشية خانقة. وبينما يحاول البعض التقنين الشديد في الاستهلاك، يلجأ آخرون إلى مصادر غير مأمونة، ما يزيد من المخاطر الصحية في غياب رقابة فعالة.


في السنوات السابقة، كان فيضان عين الفيجة في فصل الربيع يعوّض جزئيًا عن النقص عبر تغذية الأنهر المحلية، مثل نهر بردى، أو رفد الآبار الجوفية بمياه إضافية. لكن في هذا العام، ومع شبه انعدام الأمطار وغياب الثلوج، اختفى هذا التأثير شبه كليًا، وازدادت الحاجة إلى مصادر بديلة لا تكفي لسد العجز، وتفتقر في كثير من الأحيان إلى الجودة والسلامة.


الأزمة تتجاوز بعدَها المحلي، إذ تتداخل فيها عوامل مناخية وجغرافية وسياسية. فإلى جانب الجفاف، لا تزال منابع وروافد حيوية في منطقة جبل الشيخ تحت السيطرة الإسرائيلية، ما يحرم سوريا من جزء كبير من مواردها الطبيعية. هذا الواقع يزيد الضغط على ما تبقى من الموارد المائية في الداخل، ويُعقّد محاولات التكيف مع الوضع الجديد.


القطاع الزراعي بدوره تلقّى ضربة قاسية، مع تراجع منسوب المياه الجوفية وتوقف الري في كثير من المناطق، ما يهدد الموسم الزراعي الحالي ويفاقم من حالة انعدام الأمن الغذائي. الأراضي الزراعية التي كانت تنتج القمح والخضراوات باتت اليوم تعاني من تصحّر تدريجي، في ظل صمت رسمي وعجز واضح عن تقديم حلول.


وسط هذا المشهد، تبدو الحاجة ملحة إلى استراتيجية وطنية شاملة لإدارة المياه، تتضمن إصلاح شبكات التوزيع، استثمار المياه الجوفية بطريقة مدروسة، وتفعيل أساليب الحصاد المائي الحديثة، إلى جانب مواجهة التغيرات المناخية بتخطيط طويل الأمد.


لكن حتى الآن، تبقى الإجراءات الرسمية محدودة، وردود الفعل بطيئة، بينما يزداد العطش وتضيق الخيارات أمام الأهالي. ومع دخول الصيف، تبدو أزمة المياه مرشحة للتفاقم.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 4