في ريف إدلب، تتكدس الركام على ما تبقى من بيوت الأهالي، لكن ما يعيق إعادة الإعمار ليس فقط حجم الدمار، بل أيضًا غلاء مواد البناء ونقص اليد العاملة، ما يجعل حلم ترميم منزل بسيط شبه مستحيل لكثيرين.
ارتفعت أسعار الحديد والإسمنت بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، حيث وصل سعر طن الحديد إلى نحو 675 دولارًا بعد أن كان 610، وبلغ سعر طن الإسمنت 125 دولارًا بدلاً من 103. وفي الوقت الذي يتزايد فيه الطلب على مواد البناء، يقف الغلاء حاجزًا صلبًا في وجه من يحاولون إصلاح منازلهم أو إعادة تشييدها.
هذه الارتفاعات لم تقتصر على المواد الأساسية فقط، بل شملت أيضًا تكاليف العمل وأجور العاملين في القطاع. فالعامل الذي كان يتقاضى 4 دولارات يوميًا، بات يطلب بين 15 و50 دولارًا حسب طبيعة العمل والمخاطر المحيطة، في ظل بيئة عمل غير آمنة تنتشر فيها مخلفات الحرب والانفجارات غير المنفجرة. أما المهندسون في بعض الحالات، فتجاوزت أجورهم الـ100 دولار مقابل استشارة هندسية واحدة، بسبب صعوبة الحركة وانعدام وسائل الحماية المهنية.
تكاليف صبّ البيتون شهدت أيضًا قفزة مضاعفة، حيث وصل سعر متر "الهوردي" إلى 30 دولارًا بعد أن كان 15، وسعر متر "البلاطة" ارتفع من 10 إلى 20 دولارًا. كما ارتفعت أسعار الرمول والحجارة بشكل ملحوظ، حتى أن الحجر الواحد يُباع بما يتراوح بين دولار ودولارين، وهو رقم كبير في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.
هذا الواقع أوجد حالة من العجز الجماعي، فالأهالي يعيشون في ظروف اقتصادية خانقة، وتعاني الغالبية من الفقر وفقدان مصادر الدخل المستقرة. ومن كان يملك بعض المال للترميم، بات الآن عاجزًا عن تغطية نصف التكاليف المطلوبة. أما من لا يملك، فليس أمامه سوى البقاء بين الأنقاض أو اللجوء لمخيمات النزوح المؤقت.
ومع غياب أي برامج حقيقية لإعادة الإعمار، سواء من الجهات المحلية أو الجهات الداعمة، يجد السكان أنفسهم محاصرين في حلقة مغلقة من الحاجة والعجز. لا إعمار بدون مواد بأسعار مقبولة، ولا مواد دون تخفيض الضرائب وتوفير الدعم، ولا عمال بدون بيئة آمنة وتأمين على الحياة.
ويطالب السكان اليوم بخطوات فاعلة تبدأ بتخفيف الضرائب المفروضة على مستلزمات البناء، وتنظيم سوق العمل بشكل يضمن التوازن بين أجر العامل وقدرة المواطن، إلى جانب إدخال برامج تأمين خاصة بالعاملين في هذا القطاع الحيوي. كما يدعون إلى دور أكبر للمنظمات الإنسانية والمجالس المحلية في دعم إعادة البناء، وتسهيل حصول الأهالي على الموارد والخدمات اللازمة.
فإعادة الإعمار في إدلب لم تعد ترفًا أو خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة إنسانية عاجلة تمس حياة الآلاف، وتشكّل حجر الأساس لأي استقرار ممكن في مستقبل هذه المنطقة المنكوبة.