أعلنت وزارة الداخلية السورية تفاصيل قرار الإفراج عن عدد من ضباط الجيش السابقين، الذين كانوا موقوفين منذ عام 2021، وذلك في خطوة أثارت تفاعلات متباينة بين الأوساط الشعبية والسياسية في البلاد، لا سيما في ظل الحساسيات المرتبطة بملف العدالة الانتقالية والمساءلة القانونية.
وفي تصريح لقناة "الإخبارية" الرسمية، أوضحت الوزارة أن العناصر الذين تم الإفراج عنهم كانوا قد سلموا أنفسهم طوعًا خلال السنوات الأخيرة، في مناطق متفرقة منها الحدود السورية-العراقية ومنطقة السخنة، وذلك ضمن ما يعرف بـ"الاستئمان"، وهي صيغة قانونية تسمح باللجوء إلى الدولة طلبًا للحماية، مقابل التعاون وعدم التورط في أعمال عدائية.
وأكدت الداخلية أن الموقوفين خضعوا لتحقيقات قانونية دقيقة، ولم تثبت ضدهم تهم بارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة لحقوق المدنيين، معتبرة أن استمرار احتجازهم لم يعد مبررًا قانونيًا، ولا يخدم مصلحة وطنية.
وأضافت الوزارة أن القرار جاء استجابةً لما وصفته بـ"المطالب المشروعة" التي تقدمت بها عائلات الضباط، والتي دعت إلى مراجعة أوضاعهم بشكل عادل ومنصف. وأشارت إلى أن هذه الخطوة تأتي في سياق "تعزيز السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي"، شريطة عدم تورط أي من المُفرج عنهم في جرائم بحق المواطنين.
لكن هذه الخطوة لم تمر دون إثارة الجدل. فقد عبّر بعض الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن رفضهم للإفراج، واعتبروه تقويضًا لمسار العدالة ومساسًا بحقوق ضحايا النزاع، خصوصًا في ظل استمرار حرية بعض الشخصيات المتهمة بانتهاكات جسيمة، دون محاسبة.
وتأتي هذه التطورات بعد سقوط النظام السابق في ديسمبر 2024، عقب معارك عسكرية انتهت بسيطرة المعارضة على العاصمة دمشق ومناطق واسعة من البلاد. ومنذ ذلك الحين، باشرت السلطات الانتقالية بإجراءات تسوية وملاحقة قضائية، تفرّق بين المتورطين في الجرائم والانتهاكات، وبين من لم يثبت عليه أي دور مباشر في أعمال العنف أو القمع.
وكان الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قد أعلن في ديسمبر الماضي عن نية الحكومة الجديدة إصدار قوائم بأسماء الضباط والمسؤولين الأمنيين المتورطين في انتهاكات بحق المدنيين، وتقديم مكافآت لمن يدلي بمعلومات موثوقة تؤدي إلى توقيفهم.
وفي المقابل، وعدت الحكومة بعدم ملاحقة أولئك الذين خدموا في مواقع غير قتالية، أو ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين، في محاولة لتحقيق توازن بين متطلبات العدالة والتماسك المجتمعي.
ومع استمرار النقاش حول الإفراجات، يظل الملف الأمني والعدلي أحد أبرز التحديات التي تواجه سوريا في مرحلة ما بعد النزاع، وسط مطالب داخلية وخارجية بضرورة ترسيخ مبدأ المحاسبة وتفادي الإفلات من العقاب.