أفادت مصادر مطلعة أن الإدارة السورية والولايات المتحدة الأمريكية بدأت خطوات فعلية نحو تنفيذ خطة استراتيجية تهدف إلى إعادة تأهيل وتطوير قطاع النفط والغاز في سوريا، في خطوة تعد تحولًا نوعيًا في العلاقات بين البلدين. وكشفت تقارير موقع "CNBC عربية" تفاصيل هذه الخطة التي تتضمن مراحل متعددة لتطوير البنية التحتية للطاقة، إعادة تشغيل الحقول النفطية والمصافي، بالإضافة إلى إنشاء شركة مشتركة تُعنى بإدارة هذه العملية بمشاركة أمريكية وسورية.
وتأتي هذه الخطوة في سياق بحث مشترك لاستعادة قطاع الطاقة الذي يعد أساسًا حيويًا لتعافي الاقتصاد السوري وتحقيق الأمن الاقتصادي والسيادي. وقد تم تقديم تصور هذه الخطة إلى الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والسوري أحمد الشرع، حيث تم إطلاق مناقشات ودراسات تفصيلية من كلا الجانبين حول كيفية تطبيقها بشكل عملي.
تركز الخطة على إعادة بناء شبكة الطاقة في سوريا لتوفير الوقود والكهرباء بشكل مستدام وبأسعار معقولة للمواطنين، فضلاً عن خلق فرص عمل جديدة وتطوير المهارات الفنية للسوريين في القطاع. كما تهدف إلى توليد إيرادات مستمرة تدعم جهود إعادة الإعمار والخدمات الأساسية، مع الحرص على حماية موارد الطاقة السورية من أي تهديدات خارجية أو داخلية.
تشمل الخطة مراحل تبدأ بتأمين الحقول النفطية المهمة في مناطق مختلفة مثل العمر والتيم والحسكة، يلي ذلك تقييم شامل للبنية التحتية الحالية من مصافي وأنابيب وشبكات كهرباء، ثم البدء بإعادة تأهيل هذه المنشآت، بما في ذلك مصفاتي حمص وبانياس. ويتزامن هذا مع استعادة القدرة على توسيع استخدام الغاز الطبيعي في الاستخدامات المنزلية والصناعية.
واحدة من أهم ملامح الخطة هو إنشاء شركة وطنية مشتركة تُدعى "SyriUS Energy"، يتم إدراجها في الأسواق المالية الأمريكية، مع تخصيص نسبة 30% من أسهمها لصندوق سيادي للطاقة في سوريا، في محاولة لجذب استثمارات أمريكية وعالمية كبيرة. وتأتي هذه الخطوة كجزء من جهود لتأمين التمويل اللازم وضمان حوكمة شفافة وإدارة فعالة للعوائد النفطية.
بالإضافة إلى ذلك، تولي الخطة أهمية كبيرة للحوكمة الرشيدة، حيث تتضمن آليات لتعزيز الشفافية، مكافحة الفساد، ورقمنة العمليات الإدارية في وزارة النفط، مع ربط إيرادات النفط مباشرة بتمويل مشاريع البنية التحتية الحيوية كالصحة والطاقة. هذه الإجراءات تأتي لضمان توزيع عادل ومستدام لعائدات النفط يعزز الثقة بين الحكومة والشعب.
ومن جهة أخرى، تستعد سوريا لتوسيع نشاطها على صعيد التصدير، مع وضع خطط للشحن عبر العراق والموانئ الساحلية التي ستخضع لعمليات تأهيل، إلى جانب تعزيز التكامل مع الدول المجاورة من خلال شبكات مشتركة للكهرباء وخطوط أنابيب النفط والغاز، ما يعزز الدبلوماسية الاقتصادية ويتيح فرصًا للتعاون الإقليمي.
ويرى خبراء أن نجاح هذه الخطة يعتمد بشكل كبير على توفير التمويل الدولي المناسب، حيث حذر جوناثان باس، الرئيس التنفيذي لشركة أرغنت للغاز الطبيعي المسال، من أن غياب التمويل من البنوك والمؤسسات المالية قد يضطر سوريا إلى الاعتماد على شركات نفط أقل خبرة، مما قد يؤثر سلبًا على استدامة المشروع. وأشار إلى أن تنفيذ مشاريع بهذا الحجم يتطلب تجهيزات وبنية تحتية تستغرق عدة أشهر حتى سنوات، ما يستلزم وجود دعم مالي قوي ومستمر.
كما أن رفع العقوبات الأميركية مؤخرًا، خاصة الإعفاءات التي شملت مؤسسات وشركات الطاقة السورية، شكلت خطوة مهمة نحو تسهيل التعاون، حيث أصبحت هذه المؤسسات قادرة على الانخراط في عمليات استثمارية وتجارية في إطار قانوني واضح.
وفي سياق متصل، تهدف خطة "SyriUS Energy" إلى وضع سوريا على خارطة الطاقة العالمية مجددًا، عبر برنامج وطني يحمل شعار "سوريا أولاً"، يعكس التزامًا بحماية مصالح الدولة وتعزيز ثقة المواطنين في إدارة مواردهم الوطنية. ويولي البرنامج أهمية خاصة لتعبئة الكوادر السورية ودعم الاقتصاد المحلي، مع التدرج في فتح أسواق التصدير الإقليمي والدولي.
هذه الخطوة تمثل نقطة تحول محتملة في مستقبل سوريا الاقتصادي، لكنها تأتي محاطة بتحديات سياسية ومالية كبيرة. فنجاحها يتوقف على مدى قدرة الطرفين على تنفيذ الاتفاقات ضمن بيئة مستقرة وشفافة، مع توفير التمويل اللازم والحفاظ على مصالح الشعب السوري. وفي ظل هذه المعطيات، تفتح الخطة آفاقًا جديدة لمرحلة إعادة الإعمار التي طال انتظارها في سوريا.