تخفيف العقوبات على سوريا يفتح باب التغيير

2025.05.24 - 12:24
Facebook Share
طباعة

 في تطور لافت على صعيد العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة وسوريا، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إصدار "الترخيص العام رقم 25"، والذي يتيح تنفيذ معاملات اقتصادية وتجارية كانت محظورة في السابق بموجب العقوبات الأمريكية على سوريا، وذلك بشروط محددة تتعلق بالجهات المتعامَل معها وطبيعة المعاملات.


جاء القرار الذي أصدره مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة في 23 أيار 2025، ليسمح بإجراء عدد من المعاملات التي كانت محظورة بموجب عدة لوائح، من بينها العقوبات المفروضة على سوريا، وعقوبات أسلحة الدمار الشامل، والعقوبات المالية على إيران، والعقوبات المتعلقة بالإرهاب، مع التأكيد على ضرورة عدم شمول المعاملات لأفراد أو كيانات مدرجة على قوائم العقوبات الخاصة.


نطاق الترخيص
وفقاً للبيانات الصادرة، يشمل الترخيص التعامل مع عدد من الكيانات الحكومية والمؤسسات العامة السورية، من بينها المصرف المركزي، المصرف التجاري السوري، المؤسسة العامة للنفط، الشركة السورية للنفط، وزارة النفط والثروة المعدنية، وزارة السياحة، وفندق فور سيزن دمشق. ويُمنع في الوقت ذاته التعامل مع أي جهة أو فرد مدرج على قائمة العقوبات الخاصة، أو مرتبط بدول مثل إيران، روسيا أو كوريا الشمالية، أو منخرط في معاملات لصالح هذه الدول.


الترخيص لا يُعد رفعًا كاملاً للعقوبات، إذ لا يشمل الإفراج عن الأصول المجمدة أو رفع القيود المفروضة بموجب قوانين وتشريعات أخرى، مثل لوائح التصدير أو قوانين الأسلحة الدولية. كما لا يعفي الأطراف المتعاملة من الالتزام بالقوانين الفيدرالية الأخرى ذات الصلة.


تعليق مؤقت لعقوبات قيصر
ضمن السياق ذاته، تم الإعلان عن تعليق جزئي ومؤقت للعقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، وذلك لمدة 180 يوماً. الغاية المعلنة من هذا التعليق هي إفساح المجال أمام القطاع الخاص والمستثمرين للمشاركة في مشاريع تتعلق بالكهرباء والطاقة والمياه والصحة والإغاثة الإنسانية، دون أن تواجههم عوائق قانونية ناتجة عن العقوبات السابقة.


القرار يتماشى مع توجه سياسي تعلن عنه الإدارة الأمريكية، يهدف إلى اختبار مدى استعداد الحكومة السورية للتجاوب مع متطلبات سياسية تعتبرها واشنطن أولوية، من بينها سحب المسلحين الأجانب من الأراضي السورية، واتخاذ إجراءات تتعلق بمكافحة الإرهاب وتنسيق الجهود الإقليمية.


ردود رسمية محلية
في دمشق، لقي القرار ترحيباً رسمياً، حيث تم وصفه بأنه "خطوة إيجابية" باتجاه تخفيف المعاناة الاقتصادية والإنسانية للسوريين، وفتح الباب أمام إمكانية إعادة بناء الاقتصاد والمؤسسات التي تضررت خلال السنوات الماضية. وتم التأكيد على أن سوريا منفتحة على التعاون المتوازن الذي يحترم السيادة ويعتمد الحوار والدبلوماسية كأدوات لبناء علاقات دولية.


ورأت الأوساط الرسمية في القرار فرصة لتعزيز التواصل مع مختلف الفاعلين الدوليين والإقليميين، ودفع عملية التعافي الاقتصادي التدريجي إلى الأمام.


السياق القانوني والسياسي للقرار
من الناحية القانونية، يبقى القرار محصوراً في حدود الصلاحيات التنفيذية لوزارة الخزانة، ولا يتعدى ذلك إلى قوانين أوسع نطاقاً ما زالت سارية، مثل قانون محاسبة سوريا لعام 2003، وتصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب منذ 1979. إلغاء هذه القوانين يتطلب تدخلاً تشريعياً من الكونغرس، وهو مسار سياسي أكثر تعقيداً وأبطأ في التنفيذ.


وفي هذا الإطار، يمثل "الترخيص 25" قناة تجريبية لاختبار إمكانية تطبيق سياسة مرنة تجاه سوريا، دون أن يتورط صانع القرار الأمريكي في التزامات سياسية نهائية أو يصطدم بعقبات قانونية محلية.


الأثر المتوقع: داخلي محدود وخارجي مرجح
رغم التخفيف الجزئي، يرى مراقبون اقتصاديون أن الأثر المباشر للترخيص داخل السوق الأمريكية سيكون محدوداً نسبياً، بالنظر إلى استمرار عدد كبير من القيود القانونية، بالإضافة إلى البيئة الاستثمارية غير المستقرة في سوريا.


في المقابل، يُرجّح أن يكون التأثير الفعلي في دول الخليج والدول الأوروبية التي قد ترى في الترخيص الأميركي فرصة قانونية لاستئناف أو توسيع استثماراتها في السوق السورية، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة والخدمات.


ورغم أن مدة الترخيص لا تتجاوز 180 يوماً، وهي فترة قصيرة مقارنةً بمتطلبات الاستثمارات الكبرى، إلا أن القرار يُعد بمثابة مؤشر على تغير نسبي في الموقف الأمريكي من سوريا، وقد يُستخدم كأداة تفاوضية في المرحلة المقبلة ضمن مسارات سياسية أوسع.


التحديات القانونية والمصرفية
من التحديات البارزة التي تعيق الاستفادة الفعلية من الترخيص، مسألة الأصول المجمدة. حيث لا يشمل القرار أي تغيير في وضع الأموال أو الممتلكات السورية المجمدة في الخارج، والتي تخضع لإجراءات قضائية معقدة بسبب اتهامات سابقة تتعلق بالفساد أو الانتهاكات. ويبقى من غير المؤكد ما إذا كانت هذه العقبات ستُرفع قريباً.


كما أن الرخصة لا تشمل العقوبات التي تُدار من قبل جهات أخرى مثل وزارة التجارة الأمريكية، التي لا تزال تحظر تصدير المعدات أو التكنولوجيا إلى سوريا، ما يجعل التعامل التجاري معقداً ومجزأً حتى مع الترخيص الجديد.


دلالات سياسية وخطوات مستقبلية
القرار الأمريكي الأخير يُعد اختباراً مبكراً لإمكانية بناء مسار جديد من العلاقات، لا سيما في ضوء المتغيرات الإقليمية ومساعي بعض الدول العربية لإعادة سوريا إلى محيطها السياسي والاقتصادي. ويشكل الترخيص فرصة للحكومة السورية لإظهار التزامها بتفاهمات سياسية أو إصلاحات اقتصادية، على أمل أن يؤدي ذلك إلى خطوات أمريكية إضافية مستقبلاً.


وفيما لا تزال الطريق طويلة نحو رفع شامل للعقوبات، فإن "الترخيص 25" قد يمثل بداية جديدة، بشرط تحقيق التوازن بين المتطلبات السياسية والاقتصادية، وبين الثوابت القانونية الأمريكية والمطالب السورية بالتخفيف من القيود.


يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت هذه الخطوة بداية لانفراج حقيقي، أم مجرد اختبار تكتيكي في مسار معقد من العلاقات الدولية والمصالح المتداخلة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 4