أثار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بعد لقاء الرئيس دونالد ترمب مع أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الجديدة، تساؤلات عديدة حول مصير الديون الهائلة التي تراكمت خلال سنوات الحرب. ديون ضخمة اقترضها نظام بشار الأسد من دول مثل إيران وروسيا، لتمويل عملياته العسكرية في مواجهة الثورة التي اندلعت عام 2011. واليوم، تواجه دمشق الجديدة تحدياً قانونياً وسياسياً صعباً: هل ستلتزم بهذه الديون، أم تحاول رفضها بوصفها “ديون حرب” أو “ديون بغيضة” لا يجب تحملها؟
في القانون الدولي، هناك مبدأ يُعرف بـ”الخلافة الحكومية”، الذي يعني أن الحكومات الجديدة ترث التزامات السابقين، حتى لو كانت تختلف معهم سياسياً. لكن هناك استثناء نادر جداً، يعرف بـ”الديون البغيضة”، وهو ينطبق على الديون التي تُستخدم في قمع الشعب أو لا تحقق له أي منفعة. هذا الاستثناء يفتح باب النقاش حول إمكانية تخلي الحكومة الجديدة عن بعض أو كل هذه الالتزامات.
الباحثان سي بوشايت وميتو جولاتي أوضحا في مقال لهما بعنوان “ماذا سيحدث لديون الحرب السورية؟” أن تطبيق هذا الاستثناء في القانون الدولي ليس سهلاً، لكنه ممكن. واستشهدوا بحالات تاريخية مثل رفض بريطانيا دفع ديون حكومة جنوب إفريقيا بعد حرب البوير، وامتناع كمبوديا عن سداد ديون حكومة لون نول التي مولت صراعات داخلية انتهت بانتصار المتمردين. هذه الأمثلة تعطي مؤشراً على أن الحكومات الجديدة قد تتجنب دفع ديون استُخدمت في تمويل حروب داخلية.
لكن الوضع السوري يحمل تعقيدات إضافية. فالكثير من الديون قُرضت قبل الحرب، ثم استُخدمت لاحقاً في تمويل الصراع. بالإضافة إلى ذلك، العلاقات السياسية والدبلوماسية مع إيران وروسيا تجعل التنصل من هذه الديون خطوة محفوفة بالمخاطر. موسكو وطهران قد ترفضان قبول أي محاولة لرفض هذه الديون، مما قد يعرّض سوريا إلى ضغوط أو عقوبات جديدة.
تبقى قضية الديون واحدة من لتحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة الجديدة في سوريا. يتطلب الأمر مهارات تفاوض عالية وحصافة قانونية لتفكيك مزيج الديون المشروعة من تلك التي تم تمويلها بأغراض قمعية أو حربية. وإذا لم تنجح دمشق في حل هذه الأزمة، فقد تجد نفسها مثقلة بأعباء مالية تضغط على إعادة إعمار البلاد وتعافي اقتصادها المنهك.
في النهاية، ملف الديون السوري يعكس حالة الصراع السياسي والاقتصادي العميق الذي تعيشه البلاد، ويكشف أن طريق التعافي لن يكون سهلاً ولا خالياً من المخاطر. الدول والشعب السوري ينتظرون بفارغ الصبر كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع هذا العبء التاريخي، وما إذا كانت ستنجح في تحقيق استقرار مالي يعزز فرص السلام والتنمية.