تعرضت نقطة عسكرية تابعة للجيش السوري بالقرب من سد "تشرين" لهجوم مسلح، وسط اتهامات غير مؤكدة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بالمسؤولية، في وقت لم يصدر فيه أي تبنٍّ رسمي من جانب الطرفين.
وقعت الحادثة مساء الأحد، 18 من أيار، عندما استهدفت مجموعات مسلحة نقطتين عسكريتين للفرقة 76 التابعة للجيش السوري في محيط السد الواقع شرقي محافظة حلب. وبحسب مصادر عسكرية من داخل الفرقة، فإن الهجوم كان الأعنف من نوعه في تلك المنطقة منذ بدء التنسيق الأمني بين الحكومة السورية و"قسد"، وتخلله استخدام أسلحة ثقيلة ورشاشات متوسطة.
المصدر العسكري، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لعدم امتلاكه تصريحًا رسميًا، أشار إلى أن الهجوم انطلق من مناطق خاضعة لسيطرة "قسد"، مضيفًا أن القوات المهاجمة استخدمت أنفاقًا للوصول إلى قرب نقطة "حمزة 3"، وهي إحدى أهم نقاط الحماية في محيط السد. وبحسب وصفه، فإن وحدات الجيش السوري تمكنت من كشف المهاجمين قبل اقترابهم، لتندلع اشتباكات عنيفة استخدمت فيها أسلحة رشاشة من عيار 23 ميليمترًا، و"دوشكا"، بالإضافة إلى الأسلحة الفردية.
لم تُسجّل خسائر بشرية أو مادية كبيرة في صفوف الجيش السوري نتيجة الهجوم، بحسب ذات المصدر، الذي رجّح أن تكون المجموعات المنفذة إما تابعة لـ"قسد" أو جهات محلية موالية لها، تسعى لعرقلة التفاهم الأخير بين "قسد" ودمشق بشأن إدارة السد والمناطق المحيطة به.
سد "تشرين"، الذي يُعد من أبرز المنشآت الحيوية في المنطقة، كان محور اتفاق جرى مؤخرًا بين الجانبين، بدأ بموجبه الجيش السوري وقوات من الأمن بدخول محيط السد أواخر نيسان الماضي، بهدف فرض الأمن وتفعيل مشاريع إعادة التأهيل. وقد أعلنت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) حينها أن تلك الخطوة جاءت ضمن اتفاق رسمي، فيما لم تُعلَن تفاصيل دقيقة عن بنود الاتفاق، وسط تحفظ واضح من الطرفين.
ويأتي الهجوم الأخير ليضع علامات استفهام حول مدى التزام القوى المحلية، أو الفصائل المسلحة المنتشرة في المنطقة، بهذه التفاهمات. خصوصًا أن "قسد" لم تصدر أي تعليق رسمي حول الحادثة حتى لحظة إعداد هذا التقرير، في حين امتنعت الحكومة السورية أيضًا عن توجيه اتهامات مباشرة، ما يضفي مزيدًا من الغموض على دوافع الهجوم والجهات التي تقف خلفه.
قبل ذلك بنحو أسبوع، كانت المنطقة قد شهدت خطوات تنفيذية تمهّد لتطبيق الاتفاق، تمثلت بدخول فرق صيانة إلى منشآت السد بهدف إعادة تشغيلها، وهو ما وصفته "سانا" حينها بأنه جزء من جهود الدولة السورية لإعادة بسط نفوذها في المناطق الحيوية. غير أن هذا المشهد لم يكن خاليًا من التوترات، إذ سجلت زيارات متكررة لوفود من "الإدارة الذاتية"، وهو ما يعكس استمرار النفوذ المتشابك في المنطقة حتى بعد بدء تطبيق الاتفاق.
في 5 أيار الجاري، زار وفد رفيع من "الإدارة الذاتية" سد تشرين، ضمّ قياديين بارزين من المجلس التنفيذي وعددًا من رؤساء الهيئات والمكاتب التابعة لها. الزيارة أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت "الإدارة" قد تخلّت فعليًا عن السيطرة على السد، أم أن ثمة ترتيبات غير مُعلنة تحكم العلاقة مع دمشق.
وفي الوقت الذي لم يصدر فيه تأكيد رسمي من التحالف الدولي بشأن طبيعة الاتفاق، أشارت تقارير إعلامية محلية إلى أن وفدًا مشتركًا من التحالف والحكومة السورية زار المنطقة بالتزامن مع دخول قوات الجيش، ما يعزز فرضية أن التفاهم يحمل أبعادًا إقليمية ودولية.
ورغم أن تفاصيل الاتفاق حول سد تشرين لم تُنشر رسميًا، إلا أن تحركات الأطراف المختلفة، والتطورات الميدانية السريعة، تشير إلى أن التوترات في تلك البقعة لا تزال بعيدة عن الحل النهائي. فالهجوم الأخير، وإن لم يوقع خسائر، فإنه يفتح الباب أمام تصعيد جديد قد يُعيد خلط الأوراق، لا سيما في ظل علاقات معقدة تحكم القوى المسيطرة على شمال وشرق سوريا.
وفي ظل هذا الغموض، تبقى الأنظار متجهة إلى ما ستؤول إليه التفاهمات الأمنية، وما إذا كان هذا التصعيد سيبقى حادثًا معزولًا، أم مقدمة لموجة جديدة من التوتر تعصف بالاتفاقات الهشة في مناطق النفوذ المتداخلة.