الكوليرا تعود للواجهة و"الصحة السورية" تستنفر

سامر الخطيب

2025.05.19 - 10:43
Facebook Share
طباعة

 في ظل التحديات المتصاعدة التي تواجهها سوريا على مختلف الصعد، تبرز أزمة صحية محتملة تهدد حياة ملايين السكان، مع ازدياد المخاوف من عودة تفشي وباء الكوليرا. وزارة الصحة السورية، مدفوعة بإنذارات واقعية وشواهد من موجتي انتشار سابقتين، بدأت بتكثيف تحركاتها بهدف احتواء أي بوادر تفشٍ قبل أن تتسع رقعته.


ورشة عمل عُقدت مؤخراً في دمشق بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية لم تكن مجرد جلسة تدريبية، بل كشفت عن حجم القلق الذي يتملّك القائمين على القطاع الصحي في البلاد. الورشة ركزت على تصنيف المناطق الأكثر هشاشة واستعداداً لانتشار المرض، وتحديد أولويات التدخل، خاصة في البيئات التي تعاني من تردي البنى التحتية وتلوث المياه.


المخاوف ليست بعيدة عن الواقع، فالنقص المزمن في المياه النقية، وتهالك شبكات الصرف الصحي، واختلاط مياه الشرب بالمياه الملوثة، كلها عوامل تجعل من الكوليرا تهديداً حقيقياً وليس مجرد احتمال. ويزيد الطين بلّة الصعوبات اللوجستية، من نقص في الكوادر الصحية المؤهلة، إلى ضعف قدرة المخابر المحلية على إجراء الفحوصات اللازمة، ما يفرض اعتماداً شبه كامل على المخابر المركزية في العاصمة.


وزارة الصحة أعلنت عن خطة طوارئ تشمل تكثيف التوعية الصحية، وتفعيل المراقبة البيئية لمصادر المياه، إلى جانب رفع جاهزية المستشفيات لاستقبال الحالات في حال ظهور إصابات مؤكدة. كما تم التركيز على أهمية تلقي اللقاح الفموي في المناطق الأكثر عرضة، وتحسين ممارسات النظافة العامة من خلال التنسيق مع الهيئات المعنية بجمع القمامة وضبط صهاريج المياه.


في هذا السياق، برز الدور المحوري للترصد الوبائي كأداة أساسية لرصد أي تحركات مريبة للمرض. فرق الاستجابة السريعة تجري مسوحات دورية، وتعمل على إعداد خطط استباقية مبنية على بيانات سابقة، تشمل تقدير احتياجات اللقاحات وتوزيعها حسب درجة الخطورة الجغرافية.


القلق من الكوليرا لا ينبع فقط من تاريخها في المنطقة، بل من طبيعتها القاتلة. المرض الجرثومي الذي ينتقل عبر المياه والطعام الملوثين قادر على الفتك بنسبة مرتفعة إذا لم يُعالج بسرعة، خصوصاً في بيئات تعاني من سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية. وتُظهر الأرقام أن أكثر من 20% من المصابين تظهر عليهم أعراض شديدة، مثل الإسهال المائي الحاد والإقياء، ما قد يؤدي إلى الوفاة نتيجة التجفاف، في حال لم يتم التدخل العلاجي بشكل عاجل.

في مواجهة هذا التهديد، يبقى التعويل على العمل المنسق بين مختلف القطاعات. منظمات دولية مثل اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية تشارك بفعالية في تأمين الإمدادات والدعم الفني، بينما يقع على عاتق المؤسسات الوطنية تنفيذ الإجراءات الميدانية، بدءاً من تحسين الإصحاح البيئي، ووصولاً إلى توعية المواطن بأبسط وسائل الوقاية.


في النهاية، تبدو الحرب ضد الكوليرا في سوريا سباقاً مع الزمن، بين واقع هش، واستجابة تتسابق مع العوامل المسببة. فهل ينجح التخطيط المبكر في تجنيب البلاد موجة جديدة من المعاناة الصحية؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 8