إتاوات على الفرات: عبور مكلف ومعاناة يومية

سامر الخطيب

2025.05.14 - 10:21
Facebook Share
طباعة

 في قلب محافظة دير الزور، وعلى امتداد نهر الفرات الذي يقسم مناطق النفوذ في سوريا، تتحول المعابر النهرية غير الرسمية إلى نقاط استنزاف يومي للمدنيين، في ظل غياب أي رقابة حقيقية أو تنظيم قانوني. هذه المعابر، المعروفة محليًا بـ"العبّارات"، أصبحت واجهة لواقع اقتصادي وأمني متفلت، تستغله جهات غير معلنة لفرض إتاوات مالية على السكان، خاصة سائقي شاحنات الوقود والسلع الأساسية.


تنتشر هذه العبّارات في مواقع متعددة مثل الموحسن – الدحلة، البوليل – الصبحة، بقرص – الشحيل، الميادين – ذيبان، العشارة – درنج، والبوكمال – الباغوز، وتشهد يوميًا عمليات عبور بين ضفتي النهر، من مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" شرقًا، إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية غربًا، وبالعكس. وفي كل عملية عبور تقريبًا، يُفرض على المدنيين دفع مبالغ نقدية تختلف من معبر إلى آخر، دون وجود أي لوائح أسعار أو إيصالات رسمية، وهو ما يؤكد أن هذه الجباية تتم خارج الأطر القانونية والمؤسساتية.


وتشير المعطيات إلى أن هذه الإتاوات تُفرض بشكل منهجي، ولا تقتصر على بعض المعابر، بل تشمل معظم نقاط العبور غير الرسمية، مما يوحي بوجود شبكات منظمة تستغل ضعف السلطة وغياب الرقابة لتعزيز مكاسبها. ومن اللافت أن بعض القائمين على عمليات الجباية يدّعون أنهم ينفذون تعليمات من "جهات أمنية"، ما يعزز حالة الغموض ويصعّب محاسبتهم أو مواجهتهم قانونيًا.


هذا الواقع يعكس انفلاتًا مؤسساتيًا خطيرًا في منطقة تُعدّ من الأكثر هشاشة اقتصاديًا في البلاد، حيث يعتمد جزء كبير من السكان على هذه المعابر لتأمين احتياجاتهم أو تصريف بضائعهم. ويُفاقم فرض هذه الإتاوات من معاناة الناس، خصوصًا في ظل الارتفاع المستمر في أسعار الوقود والسلع الأساسية، وانخفاض القدرة الشرائية لدى معظم العائلات في المنطقة.


غياب أي دور واضح للجهات المعنية، سواء في مناطق الإدارة الذاتية أو في مناطق سيطرة الحكومة، يعكس حالة من التواطؤ أو على الأقل التراخي، وهو ما يجعل من هذه المعابر ساحة مفتوحة للاستغلال والابتزاز. فبدلاً من أن تكون وسيلة للتنقل وتأمين الاحتياجات اليومية، تحولت إلى مصدر ضغط إضافي على السكان، يُكرّس حالة التفاوت والفوضى، ويُغذّي اقتصادًا غير شرعي يُثقل كاهل الأهالي.


إن ما يجري عند هذه المعابر ليس مجرد تجاوزات فردية، بل يمثل ظاهرة ممنهجة تستدعي وقفة جدية من جميع الأطراف المعنية. فاستمرار هذا الوضع دون تدخل حازم يعزز ثقافة الفساد، ويفتح الباب أمام المزيد من الانهيار في البنية المجتمعية والخدمية، خاصة في مناطق تعتمد أساسًا على شبكات النقل النهري كبديل عن الطرق البرية المعطّلة أو غير الآمنة.


في المحصلة، المعابر النهرية بين ضفتي الفرات تحولت من شرايين حياة إلى مصادر نزيف اقتصادي، تدفع ثمنها العائلات الفقيرة، في وقت تغيب فيه الدولة ويعلو صوت الاستغلال على صوت القانون.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 5