تعيش مدن وبلدات شمال وشرق سوريا، وعلى رأسها الرقة والقامشلي، أزمة كهرباء خانقة تتفاقم مع ارتفاع درجات الحرارة، ما يُضاعف من معاناة السكان في ظل تراجع الخدمات وغياب الحلول الجذرية. هذه الأزمة ليست طارئة، بل تعكس مساراً متصاعداً من تدهور الواقع الخدمي المرتبط بشكل وثيق بالأوضاع السياسية والبيئية والاقتصادية المعقدة في المنطقة.
في الرقة، أعلنت الجهات المحلية في مطلع شهر أيار عن بدء تطبيق تقنين شديد للتيار الكهربائي، مبررة ذلك بانخفاض منسوب مياه نهر الفرات، ما أدى إلى تراجع توليد الطاقة. ووفقاً للتقارير المحلية، لم تتجاوز ساعات التغذية الكهربائية النظامية في المدينة والريف ساعتين يومياً، ما تسبب بحالة من الشلل في الأنشطة اليومية، وانعكس سلباً على حركة الأسواق وأداء المرافق الحيوية.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أعلن مجلس المدينة عن تشكيل "خلية أزمة" لدعم تشغيل مولدات "الأمبيرات" وتعويض النقص. لكن على أرض الواقع، ما تزال معظم مولدات الأحياء تعمل وفق نظام تقنين محدود لا يتجاوز ثلاث ساعات تشغيل يومياً، دون أي زيادة ملموسة، وسط شكاوى الأهالي من ارتفاع تكاليف الاشتراك وانعدام الالتزام بأي تسعيرة واضحة أو رقابة فعالة.
تعاني العائلات في الرقة من عبء كبير نتيجة هذه الأزمة، خاصة تلك التي تضم مرضى يحتاجون إلى أجهزة كهربائية طبية، أو أطفالاً يعانون من الحر في ظل غياب وسائل تبريد. ومع محدودية الدخول، يعجز كثيرون عن شراء ألواح طاقة شمسية أو بطاريات، ما يضعهم تحت رحمة الكهرباء المقطوعة ومولدات غير منتظمة.
أما في القامشلي، فالصورة لا تختلف كثيراً. رغم محاولات بلدية الشعب تنظيم أسعار الأمبيرات، إلا أن الواقع الميداني يعكس انفلاتاً واضحاً في التسعير، حيث يتجاوز سعر الأمبير الواحد 18 دولاراً شهرياً، رغم تحديده رسمياً بـ14 دولاراً. ونتيجة لذلك، اضطر عدد كبير من السكان إلى تقليص اشتراكهم من نظام 24 ساعة إلى نظام 8 ساعات فقط، رغم الحاجة المتزايدة للكهرباء في ظل موجات الحر المتتالية.
يشير الواقع القائم إلى معادلة قاسية: خدمات متراجعة، وأسعار مرتفعة، وغياب للرقابة الفعلية. ويجد المواطن نفسه بين فكّي تقنين الكهرباء النظامية، وجشع بعض أصحاب المولدات الذين يستغلون غياب البدائل، ما يدفع البعض للمطالبة بفرض رقابة صارمة وإعادة ضبط آليات التسعير.
تُعد أزمة الكهرباء في شمال وشرق سوريا جزءاً من معضلة أكبر ترتبط بتدهور البنى التحتية، والتغيرات البيئية، والصراعات الجيوسياسية، أبرزها انخفاض تدفق مياه نهر الفرات، ما يُقلل من قدرة محطات التوليد على تأمين الطاقة. وفي غياب خطة متكاملة لإدارة الموارد وبدائل الطاقة، تبدو الحلول المعلنة مجرد مسكنات مؤقتة.
اليوم، وبين حرارة الصيف ولهيب الأسعار، يقف السكان في الرقة والقامشلي أمام تحدٍ يومي: كيف يمكن للحياة أن تستمر دون كهرباء؟ والأهم، من يتحمل مسؤولية إعادة النور إلى هذه المدن؟