لماذا هاجم ترامب حـ ـزب الـ ـله؟؟

كتب امجد اميرالاي – برلين

2025.05.14 - 06:53
Facebook Share
طباعة

من اللافت أن يخصص رئيس أقوى دولة عسكرية في العالم، دونالد ترامب، جزءًا من وقته خلال زيارته التاريخية إلى المملكة العربية السعودية، لمهاجمة حزب لبناني يُوصف بأنه مهزوم، في حين تشير تقارير إسرائيلية ومحلية إلى تراجع قوته وتأثيره. ففي الوقت الذي تؤكد فيه بعض الشخصيات الأمريكية البارزة التي زارت لبنان أن الحزب لم يعد يمتلك القدرة على تعطيل قيام دولة لبنانية تتماشى مع السياسات الأمريكية، يبدو أن واشنطن لا تزال تعتبره تهديدًا حقيقيًا لمصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.


الولايات المتحدة، التي تخوض مواجهة أمنية مع حزب الله منذ عام 1982، تمتلك قدرات استخبارية هائلة تجعلها تدرك حجم التهديد الذي يمثله الحزب. فبالنسبة لصانع القرار الأمريكي، لا يُقاس التأثير السياسي بالحجم العددي فقط، بل بالوزن الجيوسياسي والأمني. وحزب الله، رغم تمثيله لشريحة من الطائفة الشيعية، أصبح رمزًا لتوسّع النفوذ المعادي للأمريكيين في المشرق، ومفتاحًا لسياسات التصعيد أو التهدئة من سوريا إلى اليمن.


ترامب في زيارته التاريخية الثانية الى المملكة العربية السعودية حصل مجددا على ما طلبه من استثمارات نقدية مباشرة في الاقتصاد الاميركي، وفي المقابل ليس لديه ما يقدمه للملكة الا رفع العقوبات الرئاسية الاميركية عن سورية، والانفتاح على حكامها الجدد، وخطاب عنيف استهدف ايران وحزب الله لطمأنة السعودية.


ورغم المفاوضات الجارية بشأن الملف النووي والتفاهم السعودي الإيراني في بكين قبل أعوام، إلا أن المملكة العربية السعودية تخوض حروبًا إعلامية ونفسية وسياسية واستخبارية يوميًا على امتداد الشرق العربي، بل وصولًا إلى الداخل الإيراني نفسه، لصالح التحالف بينها وبين الأمريكيين رعاة الإسرائيليين. وحزب الله، بالنسبة للسعوديين، هو أبرز ذراع عسكري وأمني في محور أعدائهم، ولديه القدرة، إن تعافى من الضربات التي تلقاها على يد الأمريكيين بين 30 تموز و27 أيلول 2024، على تخريب كل الترتيبات السعودية في لبنان وسوريا.


اختيار الرياض كموقع للهجوم يحمل رمزية عالية، فهو إعلان شراكة أمنية مع الخليج ضد الأعداء المشتركين، وعلى رأسهم حزب الله، الذي تُصنّفه السعودية والبحرين والكويت جماعة إرهابية، وتحمّله مسؤولية تهديد أمنها الداخلي.


حديث ترامب عن وجود "رئيس جمهورية ورئيس حكومة نعمل معهما" يشير إلى إدارة أمريكية جديدة للملف اللبناني، تقوم على محاولة حجز اعادة الاعمار بيد الدولة اللبنانية لاجبارحزب الله على تقديم تنازلات للاميركيين، وذلك يجري عبر دعم فريق لبناني حاكم تعتبره السعودية والاميركيين أقرب إليهم من اي حكام سبق لهم الوصول الى السلطة في بيروت.


ولا يمكن فصل الهجوم الترامبي على الحزب عن أمن إسرائيل، الذي لا يزال من أولويات الإدارات الأمريكية. فحزب الله هو التهديد الأكثر جدية على الجبهة الشمالية، وتهديده يتعاظم كلما مر الوقت ولم ينجح حلفاء أمريكا في فرض واقع سياسي يدفع الحزب إلى التخلي عن جناحه العسكري. ورغم الحصار المطبق من الجانب السوري على خط نقل السلاح والأموال عبر سوريا إلى حزب الله، إلا أن الأمريكيين والسعوديين تعلموا من تجربة الحوثيين أن أي حصار، مهما كان محكمًا، لا يمكنه منع تدفق الأسلحة والأموال، بل يرفع من تكلفتها فقط.


القوة الأمريكية، رغم عظمتها، تواجه "نملة" لبنانية ليست عادية. إنها مسلحة، مدربة، مرتبطة بجهاز استخبارات إقليمي واسع، يضم فصائل مقاومة تمتد من اليمن إلى العراق وسوريا وفلسطين ولبنان. وهذه الفصائل يمكنها تقديم العون لمثيلات جديدة في قلب الدول المعادية لها وفي الجغرافيا السورية المعقدة، حيث تتعطش فئات كثيرة من السوريين للحماية الذاتية التي تطمئنهم إلى مستقبلهم في ظل حكم لم يستطع حتى الساعة فرض الانضباط على مناصريه ووقف المجازر التي يرتكبونها بالعلويين والدروز وبالسنة المعتدلين.


واشنطن لا تتعامل مع الحزب كمجرد فصيل لبناني. في نظر المؤسسات الأمريكية، هو عنصر رئيسي في "شبكة الإرهاب العابرة للحدود" التي تهدد المصالح الأمريكية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وسوريا والعراق ولبنان.


جزء من هدف ترامب هو بث الذعر داخل البيئة الحاضنة للحزب، وتحفيز خصومه اللبنانيين على التحرك سياسيًا وشعبيًا، تزامنًا مع حجب أموال إعادة الإعمار عبر تخلف الحكومة اللبنانية عن تحريك هذا الملف بدعم أمريكي. وهذه العملية رُبطت أمريكيًا لابتزاز الحزب وبيئته مقابل نزع السلاح، أي أن الأمريكي سيمنع الإعمار إلا في حال سلم الحزب بقضية نزع سلاحه. وهو ما يتوقع تيار واسع من المسؤولين الأمريكيين أنه سيؤدي إلى أمر من أمرين: إما حرب أهلية في لبنان، وهذا أمر جيد للأمريكيين، وإما إلى انتفاضة شعبية شيعية ضد الدولة تطيح بالاستقرار وتشرع لبنان على التدخلات العسكرية الاجنبية وهذا امر جيد للاميركيين.


الهجوم الترامبي ايضا يعكس رغبة أمريكية في تقديم نموذج عن العصا الموجهة لمن يعصون النفوذ الأمريكي، وجزرة لمن يتوافقون معه. ولهذا شن ترامب الهجوم على العصاة، وقدم للمطيعين جزرة رفع العقوبات عن سوريا.


هل يستحق حزب الله هذا التركيز الاميركي عليه؟


بنظر الولايات المتحدة، نعم، يستحق حزب الله كل هذا التركيز. ليس لأنه يمثل ملايين الناخبين، فهو لا يمثل الا ثلاثمئة الف ناخب من اصل ما يقارب الاربعة ملايين ناخب لبناني، وانما تنبع أهمية الحزب بنظر الاميركيين لأنه يستطيع بخبراته وقدراته أن يعيد تنظيم أجهزته التي اخترقتها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ثم يمكنه العودة لخوض مواجهة إقليمية سبق وأن خاضها بنجاح، فعطل الغزو الأمريكي للعراق، وساهم مع الحوثيين في التدريب والتصنيع بهزيمة السعوديين في اليمن، ومكن بما قدمه لحماس من خبرات وتسليح وتمويل بتمكينها من شن عملية طوفان الأقصى عام 2023. ومن الواضح أن الأمريكيين يؤمنون بقدرة حزب الله على التعافي أكثر مما يؤمن أنصاره به.


ويرى الأمريكيون، بخبرتهم في محاربة الحزب على مدى عقود، أنه صاحب سجل طويل في استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية، ويملك قدرة تعطيلية أكبر من وزنه السياسي أو العددي. وبالتالي، فإن هجوم ترامب لا يستهدف "الحزب" كظاهرة لبنانية، بل كأداة صراع إقليمي تجب محاصرتها، تمهيدًا لصياغة شرق أوسط خالٍ من القوى غير الدولتية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 8