في تطور مقلق يعكس استمرار مظاهر الفوضى والانفلات الأمني، انتشر شريط مصور من منطقة صحنايا بريف دمشق، يُظهر مجموعة من الأشخاص يهتفون بعبارات طائفية تحض على الكراهية والانقسام. الشريط أثار جدلًا واسعًا لما يحتويه من مشاهد توحي بعودة "التشبيح" لكن بصيغة مختلفة، هذه المرة تحت مظلة سلطات جديدة، بعد هروب رأس النظام السابق.
بحسب شهادات محلية، تم التعرف على بعض من ظهروا في المقطع، وهم شخصيات معروفة بانتمائها السابق إلى مجموعات التشبيح الموالية للنظام البائد، والذين لطالما لعبوا دورًا في قمع المعارضين وإثارة الفتن بين مكونات المجتمع السوري. وبعد سقوط النظام، لم يختفِ هؤلاء، بل أعادوا تشكيل ولاءاتهم، مبايعين وجوهًا جديدة في السلطة، دون تغيير في سلوكهم أو خطابهم التحريضي.
تشكّل هذه الظاهرة امتدادًا لنهج ممنهج يهدد الأمن المجتمعي، حيث يتم استخدام أدوات العنف والتخويف لفرض السيطرة، وسط غياب واضح لسيادة القانون. فهؤلاء الأفراد لا يكتفون بإثارة النعرات الطائفية، بل يتجاوزونها إلى ممارسات قمعية تمس حياة الناس اليومية، وتعرّضهم للترهيب والاعتداء، في ظل غياب الرقابة والمحاسبة.
ما يُثير القلق بشكل خاص هو أن هذه التصرفات تُمارَس علنًا، وتُوثّق بالكاميرات دون خوف من العقاب، ما يشير إلى نوع من التساهل أو حتى التواطؤ من بعض الجهات، أو على الأقل غياب الجدية في معالجة الظواهر الخطيرة التي تهدد السلم الأهلي.
وليس خافيًا أن الخطاب الطائفي والعنف اللفظي هما مقدمة لموجات أوسع من العنف الجسدي، خاصة في بلد لا يزال يعيش تداعيات حرب مدمرة، ويكافح لإعادة بناء نسيجه الاجتماعي. ومن هنا، فإن التساهل مع هذه الممارسات يُعد بمثابة إضعاف متعمد للمجتمع، وتمهيد لمزيد من الفوضى والانقسام.
ما تحتاجه سوريا اليوم ليس إعادة تدوير أدوات القمع بوجوه جديدة، بل خطوات فعلية نحو العدالة والمصالحة، تبدأ بتفكيك ثقافة التشبيح والخطابات الطائفية، واستعادة هيبة القانون كمصدر وحيد للسلطة. كما أن من الضروري وضع حد للخطابات المحرّضة التي تهدم ما تبقى من أواصر بين السوريين، والبدء في بناء دولة المواطنة والعدالة، لا دولة الولاءات والبلطجة.