يشكّل الاتفاق الموقّع لتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية بين الجانب السوري وشركة "CMA CGM" الفرنسية خطوة لافتة ضمن مساعي تحديث البنية التحتية البحرية وتعزيز الحضور اللوجستي لسوريا في شرق المتوسط.
يمتد العقد لثلاثة عقود، وهي مدة يُنظر إليها كإطار زمني ملائم لضمان عوائد اقتصادية مستقرة وتشجيع الاستثمارات طويلة الأجل، حيث تتعهد الشركة بضخ استثمارات أولية تُقدّر بـ30 مليون يورو، تتبعها لاحقًا استثمارات إضافية تصل إلى 200 مليون يورو خلال السنوات الأولى.
تشمل خطة التطوير تحديث البنية التحتية، وصيانة الأرصفة والمعدات، وإدخال أنظمة تشغيل حديثة تعتمدها الشركة في موانئ أخرى، إلى جانب آليات حوكمة واضحة تضمن رقابة الدولة السورية على العمليات وحقوقها السيادية ضمن إطار قانوني وطني ينظّم العقود البحرية.
واحدة من أبرز ميزات الاتفاقية هي آلية توزيع الأرباح، والتي تنص على أن ترتفع حصة الدولة تدريجيًا مع زيادة حجم المناولة. تبدأ النسبة عند مستوى محدد لتصل إلى 70% من الإيرادات، في حين تتحمل الشركة كافة التكاليف التشغيلية، ما يعزز الفائدة الاقتصادية للدولة دون تحميلها أعباء مالية مباشرة.
في ضوء التحديات الاقتصادية التي تمر بها سوريا، يمثل المشروع فرصة محتملة لتعزيز دور البلاد كممر تجاري بحري، وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، إلى جانب دعم قطاعي التصدير والاستيراد، اللذين شهدا تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية.
ويُعد هذا المشروع من أكبر الاستثمارات الخارجية في سوريا منذ عقود، في وقت يشهد فيه الاقتصاد السوري شحاً في رؤوس الأموال وانخفاضاً حاداً في المؤشرات الإنتاجية والخدمية.
ومع أن المشروع قد يساهم في تنشيط حركة الحاويات وزيادة القدرة الاستيعابية للميناء – من نصف مليون حاوية حالياً إلى ما بين 2.5 و3 ملايين حاوية سنوياً – إلا أن هناك تحديات لوجستية كبيرة. فالبنية الحالية للميناء تعرضت لأضرار بسبب الحرب، فضلاً عن الحاجة لتوسعة الأرصفة لاستقبال السفن الأكبر حجماً.
إضافة إلى العوامل التقنية، يبرز البُعد السياسي في تقييم الاتفاق، نظراً للقيود المفروضة على التعاون الاقتصادي الدولي مع سوريا. ومع أن الاتفاق يخضع لتحكيم دولي عند النزاعات، إلا أن البيئة الإقليمية والدولية تبقى عاملاً حاسماً في نجاح المشروع واستمراريته.
الخطوة تفتح الباب أمام مشاريع استثمارية مشابهة في مرافئ سورية أخرى، وقد تشجع شركات إضافية على الدخول في السوق السوري، خاصة إذا تم اعتماد أسلوب التعاقد بشفافية ومنافسة عادلة.
وفي حين يشكل هذا التطوير فرصة لتجديد دور سوريا كمركز لوجستي إقليمي، فإن تحويله إلى واقع فعلي يتطلب التزاماً مؤسسياً مستداماً، وشراكات مدروسة تعزز السيادة وتحفظ المصالح الوطنية.