تشهد العلاقات السورية العراقية تحركات لافتة باتجاه إعادة إحياء خط أنابيب النفط "كركوك – بانياس"، في مؤشر على تقارب اقتصادي متزايد بين البلدين، وسط الحاجة المتبادلة إلى تنويع مسارات تصدير واستيراد الطاقة وتجاوز التحديات الجيوسياسية التي تعيق الاستقرار في قطاع النفط بالمنطقة.
الخط الذي يمتد من حقول كركوك شمال العراق إلى ميناء بانياس على الساحل السوري، كان لسنوات أحد الممرات الحيوية لتصدير النفط العراقي إلى أوروبا، قبل أن يتعرض لأضرار جسيمة بفعل الحروب والأزمات المتلاحقة في كل من سوريا والعراق. واليوم، تعود فكرة إعادة تأهيله لتكون موضع اهتمام رسمي بين الجانبين.
في هذا السياق، أجرى وفد حكومي عراقي زيارة رسمية إلى دمشق لبحث آليات إعادة تشغيل هذا الخط النفطي، وسط ترحيب من الجانب السوري. وبحسب مصادر رسمية، توصل الطرفان إلى تفاهمات مبدئية تؤسس لخطوات تنفيذية لاحقة على الأرض.
التحركات الحالية تأتي في وقت يواجه فيه العراق ضغوطًا متزايدة لتوسيع خيارات تصدير النفط، خاصة مع هشاشة الوضع في المسارات التقليدية كخط جيهان التركي، الذي قد يتأثر بالظروف السياسية المتغيرة، أو الموانئ الجنوبية المعرضة لاضطرابات البحر الأحمر.
أما من الناحية السورية، فإن إعادة تفعيل خط كركوك – بانياس تُمثل أولوية اقتصادية واضحة، إذ يوفر مصدرًا محتملاً للطاقة والموارد المالية في ظل أزمة اقتصادية حادة، ويعزز من موقع سوريا كممر استراتيجي إقليمي.
لكن أمام هذا المشروع تحديات فنية ولوجستية كبيرة. فالخط القديم تعرض لتخريب واسع، وأجزاء عديدة منه تحتاج إلى صيانة شاملة أو حتى إعادة بناء. كما أن البنية التحتية المرتبطة به، من محطات ضخ وخزانات تخزين، بحاجة إلى تحديث كامل لضمان الجدوى التشغيلية.
ويرى مراقبون أن الخيار الأمثل هو بناء خط جديد بالتوازي مع إعادة تأهيل ما يمكن من الخط القائم، وذلك لضمان استمرارية تدفق النفط بكفاءة وأمان، خصوصًا مع إمكانية تخزين كميات كبيرة وضخها حسب الحاجة في مواسم ذروة الطلب.
من جهة أخرى، يبقى العامل السياسي حاسمًا، إذ تخضع سوريا لعقوبات دولية تعيق التعاون الاقتصادي مع العديد من الدول، ويعتمد تنفيذ المشروع جزئيًا على توافقات إقليمية ودولية تسمح بتجاوز هذه العقبات.
لكن في ظل مساعي البلدين لتفعيل شراكات إقليمية من خلال ما يُعرف بـ"الملكية الإقليمية"، والتي تهدف إلى تمكين دول المنطقة من حل أزماتها بمعزل عن التدخلات الخارجية، يبدو أن مشروع إعادة تشغيل خط النفط كركوك – بانياس ينسجم مع هذا التوجه، وقد يشكل نموذجًا لمشاريع تعاون أخرى مستقبلًا.
ومع فارق المسافات وكلف التشغيل، يظل ميناء بانياس أكثر تنافسية مقارنة بميناء العقبة الأردني، أو حتى بممرات تصدير بديلة تمر عبر قناة السويس، سواء من حيث المسافة أو من ناحية سرعة الوصول إلى الأسواق الأوروبية.
في النهاية، يبقى المشروع رهن الإرادة السياسية والتفاهمات الفنية، لكنه بلا شك يمثل فرصة استراتيجية لكل من سوريا والعراق لتعزيز التكامل الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على مسارات محفوفة بالمخاطر.