في مشهد يعكس تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها العاصمة السورية دمشق، تواجه عشرات العائلات المدنية في منطقة مساكن الزهريات تهديدات جدية بالإخلاء القسري من منازلها، دون تقديم أي بدائل سكنية أو تعويض قانوني. ويُثير هذا التطور قلقًا واسعًا بين السكان المحليين، لا سيما في ظل غياب إطار قانوني واضح يحكم مثل هذه الإجراءات.
تقع مساكن الزهريات بالقرب من مطار المزة العسكري، وقد بنيت في ثمانينيات القرن الماضي، وتقطنها أسر أغلبها الطائفة العلوية، معظمها من ذوي الدخل المحدود. بحسب شهادات عدد من الأهالي، فإن عناصر من فصائل مسلحة رديفة لوزارتي الدفاع والداخلية، والمتمركزة داخل المطار، أبلغوا السكان بضرورة إخلاء منازلهم بشكل نهائي قبل تاريخ الخامس من أيار الجاري. التهديدات، التي لم تصدر عن جهة رسمية واضحة، تضمنت تحذيرات صريحة باستخدام السلاح في حال الرفض، وسط تلميحات إلى أن منازلهم ستُخصَّص لعائلات "مقبولة" من قبل تلك الفصائل.
تقول مصادر محلية إن عملية التهديد لم تقتصر على الجانب الإداري، بل ترافقت مع ضغوط نفسية وترهيب مباشر، مما أثار حالة من الذعر، خاصة بين كبار السن والنساء والأطفال. وأشار بعض السكان إلى تلقيهم إشارات بأنهم "غير مرغوب بهم" في المنطقة، رغم امتلاكهم وثائق رسمية، منها أحكام محاكم وسجلات خدمات عامة، تؤكد شرعية وجودهم.
ما يثير الاستغراب أن هذا الإجراء يأتي في وقت تشهد فيه دمشق أزمة سكن خانقة، حيث ارتفعت أسعار الإيجارات بشكل كبير، ما يجعل من الإخلاء القسري تهديداً حقيقياً لتشريد هذه الأسر دون مأوى. ووفقاً لمراقبين، فإن مثل هذه الإجراءات، إذا استمرت دون تدخل رسمي واضح، قد تفتح الباب أمام موجة جديدة من النزوح الداخلي، في مدينة بالكاد تستوعب سكانها الحاليين.
من الناحية الحقوقية، يشكل الإخلاء القسري دون بدائل أو إجراءات قانونية انتهاكًا صريحًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في السكن الآمن. وتخشى منظمات حقوقية محلية من أن يؤدي الصمت الرسمي حيال هذه الحادثة إلى خلق سابقة خطيرة في التعامل مع الملكيات الفردية، لا سيما في المناطق ذات الطابع الأمني أو العسكري.
في هذا السياق، يطالب مراقبون وجهات حقوقية بضرورة فتح تحقيق شفاف، والتدخل لوقف أي محاولة تهجير قسري خارج إطار القانون، وضمان احترام حق المواطنين في السكن، دون تمييز على أساس الانتماء أو الاعتبارات الأمنية.
الوضع في مساكن الزهريات لا يمثل فقط أزمة إسكان، بل يعكس خللاً أعمق في إدارة العلاقة بين السلطة والسكان المدنيين في المناطق الحيوية من العاصمة، حيث تختلط الاعتبارات الأمنية بالمصالح الخاصة، في غياب منظومة قانونية توازن بين الحقوق والمخاوف.