بينما تتصاعد التوترات في الجنوب السوري، وتحديدًا في المناطق ذات الغالبية الدرزية كجرمانا والسويداء، تسعى إسرائيل لتقديم نفسها كـ"المنقذ الإنساني" عبر إعلان نيتها إنشاء مستشفى ميداني داخل الأراضي السورية. خطوة تبدو في ظاهرها إنسانية، لكنها تحمل في طياتها رسائل سياسية وأمنية خطيرة، وتعيد فتح النقاش حول أهداف تل أبيب الحقيقية في سوريا.
بحسب موقع "i24NEWS" الإسرائيلي، فإن قوات الجيش والشرطة العسكرية الإسرائيلية قامت بنقل عدد من الجرحى الدروز من سوريا إلى مستشفيات إسرائيلية للعلاج، حيث استقبل مركز "زيف" الطبي 21 مصابًا، وتمت إعادة 6 منهم بعد تلقي العلاج. لكن ما يُقدّم كـ"رعاية طبية" ليس إلا محاولة مكشوفة لاختراق النسيج السوري، وزرع بذور الشك والانقسام داخل المجتمع الدرزي، بما يخدم أجندة إسرائيل الاستراتيجية.
المفارقة الكبرى أن إسرائيل، التي لطالما استخدمت الضربات العسكرية "التحذيرية" في الجنوب السوري بذريعة حماية الدروز، هي ذاتها من يعترف مسؤولوها الآن باحتمالية سقوط "عدد كبير من الضحايا" إن تصاعدت المعارك. فكيف يمكن لدولة تساهم في تأجيج الصراع عسكريًا أن تدّعي في الوقت نفسه دورًا إنسانيًا؟
الأخطر من ذلك أن هذه الخطوة تأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث يقيم النظام السوري الجديد إقليميًا ودوليًا، وسط محاولات لفرض وحدة سوريا واستعادة سيادتها على كامل أراضيها. في هذا السياق، يبدو إنشاء مستشفى ميداني إسرائيلي في قلب الأراضي السورية محاولة سافرة لفرض أمر واقع جديد، وتحويل بعض مكونات المجتمع السوري إلى أدوات ضغط سياسية.
وبينما تروّج تل أبيب لهذه المبادرات على أنها "استجابة إنسانية"، فإن الرسالة الحقيقية موجهة إلى دمشق وأنقرة: إسرائيل حاضرة وبقوة في الملف السوري، ولن تسمح بإعادة ترتيب الأوراق بمعزل عنها.
دروز سوريا ليسوا بحاجة إلى مستشفى إسرائيلي بقدر حاجتهم إلى وقف الاعتداءات وتحييدهم عن الصراعات الإقليمية. وما تسوّقه إسرائيل كـ"مساعدة إنسانية" لا يعدو كونه غطاءً ناعمًا لاختراق جديد في الجغرافيا السورية، وفتح نافذة تدخل سياسي تحت ستار طبي.
الإنسانية لا تُقاس بعدد الأسرة الطبية، بل بوقف القصف، واحترام سيادة الدول، والكفّ عن توظيف المعاناة الإنسانية لأهداف عسكرية.