التحديات السياسية للطائفة الدرزية في سوريا

سامر الخطيب

2025.05.04 - 03:16
Facebook Share
طباعة

 منذ اندلاع الحرب السورية، يواجه النظام السوري تحديات كبيرة في توحيد البلاد، التي تعاني من تقسيمات عرقية وطائفية متزايدة. يعتبر الوضع في المناطق التي يقطنها الدروز واحدًا من أبرز النقاط الساخنة في هذه الأزمة، خاصة مع تزايد التوترات داخل الطائفة الدرزية التي تمثل نحو 2-3% من سكان سوريا. تلك التوترات لم تقتصر على مجرد اختلافات محلية، بل امتدت إلى علاقات مع النظام السوري ودول إقليمية ودولية، مما يعكس مدى تعقيد الموقف الدرزي في المشهد السوري الحالي.


موقف الدروز خلال الصراع السوري
بدأت الطائفة الدرزية في سوريا تتجنب الانخراط في الصراع الدائر بين النظام وفصائل المعارضة منذ بداية الحرب. رفضت العديد من الشخصيات الدرزية خدمة التجنيد الإلزامي في جيش النظام، مما دفعها إلى مسافة أمان عن المواجهات العسكرية، رغم أنها لم تظهر دعمًا واضحًا للمعارضة أيضًا. وكان الهدف الأساسي من هذه السياسة هو الحفاظ على مصالح الطائفة وضمان عدم تعرضها للدمار جراء الاشتباكات.


لكن مع مرور الوقت، ظهرت بعض الفصائل الدرزية التي اختارت الوقوف ضد النظام مثل حركة "رجال الكرامة" بقيادة يحيى الحجار، وهو ما يعكس بوضوح حالة الانقسام داخل المجتمع الدرزي بين من اختار الوقوف مع النظام أو معارضته. ولم يقتصر هذا الصراع على الحركات المسلحة فقط، بل امتد إلى الخلافات بين المرجعيات الدينية مثل حكمت الهجري الذي كان له دور بارز في انتقاد سياسات النظام، وبين آخرين مثل الشيخ يوسف الجربوع الذي عبر عن ولائه للنظام.


تزايد الصراع السياسي
المسائل السياسية داخل الطائفة الدرزية تتجاوز ببساطة دعم أو معارضة النظام، حيث طرحت العديد من الشخصيات الدرزية أفكارًا تتعلق بكيفية تمثيل الطائفة في سوريا المستقبلية. في السنوات الأخيرة، ظهرت دعوات للاتجاه نحو "الإدارة الذاتية" من قبل بعض الأحزاب الدرزية مثل "حزب اللواء السوري". كما بدأ الشيخ حكمت الهجري في تبني خطاب معارض للنظام بشكل أكبر بعد 2021، وهو ما يشير إلى تغير في الموقف الدرزي بعد سنوات من الحذر.


الهجري نفسه كان قد صرح برفضه لإعلان دستوري أصدرته الحكومة السورية في عام 2025، والذي تضمن البنود المتعلقة بالشريعة الإسلامية. الهجري دعا إلى نظام ديمقراطي علماني تشاركي يحترم التنوع داخل المجتمع السوري، وهو ما يتماشى مع مطالب العديد من الدروز في المناطق المختلفة. لكنه لم يكن وحده في هذا الموقف، فقد شهدنا أيضًا تحركات معارضة ضد الحكومة مثل المظاهرات التي قادها الشيخ سليمان عبد الباقي في السنوات الماضية.


تدخلات خارجية وتأثير إسرائيل
لا شك أن الوضع السوري المعقد جعل من تدخلات الأطراف الخارجية قضية رئيسية في صراع الدروز. فقد سعت إسرائيل بشكل معلن إلى توظيف وجود الدروز في سوريا لصالحها، خصوصًا بعد تعرض الطائفة الدرزية لضغوط في مناطقهم الجنوبية. وزعم وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر بأن إسرائيل ستدعم الأقليات في سوريا، وخاصة الدروز والأكراد، في خطوة وصفها بأنها جزء من إستراتيجيتها الأمنية.


خلال السنوات الماضية، كانت إسرائيل قد تدخلت في العديد من اللحظات الحاسمة، حيث قصفت مواقع عسكرية داخل سوريا بزعم أن تلك المواقع كانت تشكل تهديدًا للأمن الإسرائيلي. ورغم ذلك، لا تزال بعض الشخصيات الدرزية، مثل ليث البلعوس، تحذر من المراهنة على الدعم الإسرائيلي، محذرة من أن ذلك قد يعرّض وحدة سوريا للخطر. وفي هذا السياق، برز الصراع بين مؤيدي الهجري، الذين يتطلعون إلى دعم دولي، ومعارضي ذلك من أبناء السويداء الذين يرفضون التدخل الأجنبي.


مطالب الدروز في سوريا
أبرز مطالب الدروز في سوريا تتمحور حول ضمان مكانة الطائفة ضمن الدولة السورية المستقبلية، مع التركيز على النظام العلماني الذي يعترف بالتنوع العرقي والديني. هناك أيضًا مطالب بتطبيق اللامركزية في الحكم، وهو ما من شأنه أن يتيح للطائفة الدرزية إدارة شؤونها المحلية بما يتناسب مع ثقافتها وتقاليدها دون تدخلات من قبل الحكومة المركزية.


ومن ناحية أخرى، يظهر أيضًا بعض القلق من فرض إيديولوجيات دينية على الدولة السورية، مما يعكس رغبة الدروز في الابتعاد عن تصعيد النزاعات الطائفية، بل والعمل على بناء دولة تكون فيها جميع المكونات السورية جزءًا متساويًا في اتخاذ القرارات.


الصراع الداخلي والتأثيرات الإقليمية
من الواضح أن الخلافات الداخلية بين مختلف الشخصيات الدرزية تتداخل مع التأثيرات الإقليمية والدولية التي تؤثر بشكل مباشر على مواقفهم. ففي السويداء، مثلًا، ظهرت العديد من الخلافات بين عائلات وشخصيات معروفة، مثل الخلاف بين عائلة الهجري وبلعوس، وهو ما يعكس التحديات التي يواجهها الدروز في توحيد صفوفهم وتحقيق مطالبهم في سوريا المستقبلية.


وبينما يتطلع البعض إلى تطبيق اللامركزية وتحقيق الديمقراطية، يصر آخرون على أن الأولوية هي الحفاظ على الأمن والاستقرار، وهو أمر يعكس التحديات التي يواجهها المجتمع الدرزي في السعي لتحقيق تطلعاته دون التضحية بوحدته الداخلية.


الختام
في النهاية، يمكن القول إن الدروز في سوريا يقفون على مفترق طرق. فبينما يسعى بعضهم للحفاظ على الخصوصية الثقافية والسياسية للطائفة ضمن الدولة السورية، يظهر آخرون استعدادًا لفتح قنوات تواصل مع القوى الخارجية سعياً لتحقيق الحماية السياسية. من الواضح أن موقفهم النهائي سيكون له تأثير كبير على مستقبل سوريا، خاصة في ظل التوترات الداخلية والخارجية التي تحيط بالبلاد.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 6