انفجار أسعار الإيجارات في دمشق وريفها

رزان الحاج

2025.05.04 - 12:46
Facebook Share
طباعة

 
تشهد العاصمة السورية دمشق وريفها أزمة سكن خانقة، تتفاقم يومًا بعد يوم، في ظل ارتفاع غير مسبوق في أسعار الإيجارات، وسط غياب شبه تام لأي رقابة أو تدخل حكومي فعال. فبعد سقوط النظام السابق، تحولت سوق العقارات إلى ساحة مفتوحة لعمليات الاستغلال، حيث تتضاعف الأسعار بشكل عشوائي، دون وجود معايير أو ضوابط قانونية تضمن حقوق المستأجرين أو تحدّ من جشع المالكين.


في مناطق شعبية مثل السبينة والزاهرة، لم تعد البيوت البسيطة أو حتى العشوائية متاحة للأسر ذات الدخل المحدود، حيث تجاوزت الإيجارات حاجز المليون ونصف المليون ليرة سورية. أما في أحياء دمشق الراقية مثل المالكي وأبو رمانة، فالمشهد مختلف كليًا، حيث بات من الطبيعي أن تطلب العقارات إيجارات تصل إلى سبعة ملايين ليرة و أكثر، ما يعادل نحو 1000 دولار في بعض الحالات، بحسب تقديرات متداولة.


هذا الارتفاع المفاجئ في الإيجارات يعود إلى مجموعة من العوامل المتراكمة، من أبرزها النقص الكبير في العرض مقابل الطلب المتزايد، نتيجة توقف معظم مشاريع البناء، وارتفاع تكاليف مواد البناء، وصعوبة الحصول على تراخيص جديدة، إلى جانب عودة أعداد كبيرة من السوريين المقيمين في الخارج إلى ممتلكاتهم الأصلية. كما ساهمت التحركات السكانية الكبيرة من مناطق الأرياف المتضررة إلى العاصمة، وانتقال مسؤولين وموظفين حكوميين إلى دمشق، في زيادة الضغط على سوق الإيجارات.


من جهة أخرى، لا تزال العقود تُبرم غالبًا بعيدًا عن أي تسعيرة رسمية، مما أتاح الفرصة لأصحاب المكاتب العقارية وأصحاب العقارات للتحكم بالأسعار كما يشاؤون. وقد تحولت كثير من الشقق السكنية إلى مشاريع استثمارية مربحة بالنسبة للمالكين، بينما يعجز أصحاب الدخل الثابت عن مجاراة هذا الارتفاع، حيث لم تُحدَّث الرواتب بما يتناسب مع تكاليف المعيشة الجديدة.


تنعكس هذه الأزمة بشكل مباشر على واقع الأسر السورية، إذ اضطر كثير من المواطنين إلى تقاسم السكن مع عائلات أخرى لا تربطهم بها أي علاقة، في مشهد غير مألوف سابقًا. كما بدأ البعض بالهجرة العكسية من دمشق نحو الريف، رغم ضعف البنية التحتية هناك، بسبب عجزهم عن دفع الإيجارات المرتفعة. وترافق هذا الوضع مع تزايد المشكلات الاجتماعية والضغوط النفسية، لا سيما في ظل انعدام البدائل السكنية المدعومة أو أي برامج إسكانية رسمية.


ويبدو أن هذه الأزمة مرشحة للاستمرار والتفاقم، في ظل غياب أي مؤشرات جدية لإعادة تنظيم السوق العقارية أو إطلاق مشاريع إسكانية جديدة، نتيجة استمرار حالة عدم الاستقرار، وغياب التمويل، واستمرار العقوبات، فضلاً عن عدم وجود قوانين تفرض ضوابط ملزمة على المالكين أو تحدد سقوفًا للإيجارات.


ففي ظل هذه الظروف، يبقى المواطن السوري عالقًا بين مطرقة الغلاء وسندان الإهمال، وسط غياب حلول ملموسة أو رؤية واضحة لمعالجة واحدة من أكثر الأزمات إلحاحًا في البلاد.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 2