في خضم تصاعد التوتر بين سوريا وإسرائيل، عاد إلى الواجهة مقطع فيديو متداول بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر جنودًا يرتدون الزي العسكري السوري وهم يوجهون تهديدات مباشرة إلى إسرائيل، مستخدمين عبارات تصعيدية تتوعد بـ"زوال الكيان" في حال المساس بالقيادة السورية.
ورغم التفاعل الكبير الذي حظي به الفيديو، والذي تزامن مع الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مناطق في ريف دمشق والقصر الرئاسي، تبيّن لاحقًا أن المقطع لا يمتّ بصلة للأحداث الجارية. البحث العكسي عن الفيديو أظهر أنه نُشر للمرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2024، أي قبل أشهر من التصعيد الحالي، وارتبط حينها بسياق مختلف تمامًا تمثل في تقدم فصائل المعارضة السورية باتجاه العاصمة، في المرحلة الأخيرة من النزاع الداخلي الذي أدى إلى سقوط النظام القائم آنذاك.
الفيديو يحمل شعارًا باسم "أمجاد"، وهي جهة إعلامية معروفة بإنتاج مقاطع دعائية وتوثيقية مرتبطة بالفصائل، مما يضعف من فرضية أنه يمثل مشاهد رسمية من الجيش السوري النظامي أو من أي مؤسسة عسكرية قائمة. كما أن لغة الخطاب الحماسي والتصوير الدعائي تعزز من كونه مادة موجهة للاستهلاك الإعلامي لا أكثر، وليست تسجيلًا لحدث ميداني طارئ أو موقف رسمي.
أما عن توقيت إعادة نشر المقطع، فيبدو أنه مرتبط بمحاولات توظيف المحتوى البصري في سياقات تعبئة سياسية أو شعبية، خاصة بعد سلسلة من الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل خلال الأيام الماضية، والتي طالت مواقع حساسة في دمشق وريفها، وتزامنت مع أحداث أمنية داخلية، مثل اشتباكات جرمانا بين فصائل درزية وقوات الأمن.
يشير هذا النمط المتكرر من تداول المقاطع القديمة على أنها "جديدة"، إلى ظاهرة إعلامية أوسع تتمثل في توظيف المحتوى خارج سياقه الأصلي لأغراض سياسية، سواء للتحريض، أو لدفع الجمهور نحو تصعيد في الرأي العام. وهو ما يفرض على المتلقين – والصحفيين على حد سواء – ضرورة التحقق من صحة المواد المنتشرة قبل البناء عليها تحليليًا أو عاطفيًا.
وفي السياق السياسي، فإن التهديدات الإسرائيلية الأخيرة بعد استهداف القصر الرئاسي وجولة القصف العنيف بعد منتصف الليل تشير إلى تصعيد غير مسبوق في رسائل تل أبيب تجاه سوريا، إذ بات واضحًا أن إسرائيل تضع خطوطًا حمراء متصلة بتحركات قوى داخلية أو فصائل مسلحة مدعومة، خاصة في المناطق الجنوبية التي تضم تجمعات درزية تعتبرها إسرائيل حساسة استراتيجيًا.
بالمقابل، لا يزال الموقف السوري الرسمي غائبًا إلى حد كبير، مع استمرار الصمت أو الاكتفاء ببيانات إدانة تقليدية، ما يفتح الباب أمام روايات غير رسمية ومقاطع مصورة يتم التعامل معها باعتبارها "بديلًا" عن الموقف الميداني الحقيقي، رغم عدم دقتها أو انتمائها لزمن مختلف تمامًا.
في المحصلة، يسلط هذا الحدث الضوء على إشكالية الإعلام في فترات النزاع، حيث يصعب التفريق أحيانًا بين الواقع والدعاية، وبين التوثيق والتحريض، في مشهد إعلامي فوضوي يُستخدم فيه كل ما هو مرئي كسلاح جديد في ساحة الصراع.