تعيش مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا أزمة مياه متفاقمة منذ أسابيع، نتيجة استمرار انقطاع محطة "علوك" عن الخدمة، وهي المحطة الرئيسية التي تغذي المدينة وريفها بالمياه. تأتي هذه الأزمة في ظل سيطرة القوات التركية والفصائل المدعومة منها على بلدة رأس العين، حيث تقع المحطة، ما يربط عملها بتطورات سياسية وعسكرية خارجة عن إرادة السكان المحليين.
يتزامن هذا الانقطاع مع دخول فصل الصيف، حيث ترتفع درجات الحرارة وتزداد الحاجة إلى المياه، سواء للشرب أو الاستخدام اليومي، الأمر الذي يزيد من حجم المعاناة اليومية للأهالي. وتضطر الأسر إلى شراء المياه من الصهاريج الخاصة بأسعار مرتفعة، حيث يتجاوز سعر تعبئة 5 براميل من الماء 35 ألف ليرة سورية، ما يجعلها سلعة شبه فاخرة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها معظم السكان.
وتُعد محطة علوك، التي خرجت عن الخدمة عدة مرات خلال السنوات الماضية، نقطة خلاف مستمرة بين الجهات المتنازعة في المنطقة، حيث يتم ربط إعادة تشغيلها في كثير من الأحيان بتفاهمات سياسية أو عسكرية لا تنعكس فعلياً على الأرض. ورغم الحديث المتكرر عن مفاوضات لإعادة تفعيلها، لم تُثمر هذه المساعي عن نتائج ملموسة حتى الآن، ما يطيل أمد الأزمة.
في ظل هذا الواقع، يضطر السكان إلى استخدام مصادر مياه بديلة غير صحية، مثل الآبار السطحية أو خزانات الشوارع العامة، ما يزيد من خطر تفشي الأمراض المرتبطة بسوء النظافة، ويثقل كاهل الأسر التي لا تملك القدرة البدنية أو المالية على توفير مياه آمنة.
أزمة الحسكة لا تُعد مجرد مشكلة خدمية عابرة، بل تعكس استخدام المورد الحيوي الأهم — الماء — كورقة ضغط في النزاع السوري المعقد. فمحطة علوك تقع في منطقة تخضع لتوازنات عسكرية دقيقة، وقد تحولت خلال السنوات الماضية إلى أداة تفاوض بين أطراف متعددة، كل منها يسعى لفرض شروطه عبر التحكم بتدفق المياه.
ورغم الدعوات المتكررة من منظمات دولية ومحلية لتحييد ملف المياه عن الصراع السياسي والعسكري، لا يزال تشغيل محطة علوك مرهوناً بمواقف متضاربة، بعضها متعلق بمفاوضات تتعدى الإطار المحلي، وتمسّ قضايا إقليمية أوسع.
وتبرز في هذا السياق مسؤولية جماعية على مختلف الأطراف المعنية — سواء المحلية أو الدولية — لفصل الملفات الإنسانية، مثل المياه والكهرباء، عن التجاذبات السياسية، لا سيما في ظل تأثيرها المباشر على حياة مئات الآلاف من المدنيين.
كما أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تداعيات صحية وأمنية على المدى الطويل، في حال تدهورت البيئة الصحية وارتفعت نسبة الأمراض المعدية نتيجة استخدام مياه غير آمنة، ما قد يخلق تحديات جديدة أمام المنظمات الإنسانية والحكومات المحلية على حد سواء.
أمام هذا الواقع، لا يبدو أن حلّ الأزمة وشيك، ما لم تُتخذ خطوات فعلية لتحييد البنية التحتية المدنية عن الصراع، وضمان توفير الخدمات الأساسية لجميع السكان دون تمييز أو ابتزاز سياسي.