سوريا: موجة هجرة جديدة.. من الداخل إلى المجهول

رزان الحاج

2025.04.23 - 01:01
Facebook Share
طباعة

 في مشهد يعيد إلى الأذهان سنوات النزوح الكبرى، تعود حركة الهجرة من مناطق الداخل السوري لتتصدر الواجهة من جديد، وهذه المرة بدوافع اقتصادية بحتة. فقد تسببت الأوضاع المعيشية المتدهورة، لا سيما في وسط سوريا، وخصوصًا في محافظة حمص، بارتفاع ملحوظ في أعداد من يسلكون طرق التهريب باتجاه الأراضي اللبنانية، وسط انسداد الأفق وغياب فرص العمل.


رغم انقضاء العمليات العسكرية وسقوط النظام السابق، لم تشهد المنطقة انفراجة اقتصادية حقيقية. بالعكس، تفاقمت الأزمات، وأضحت البطالة ظاهرة عامة، في ظل غياب خطط تنموية أو دعم حكومي فعلي. أعداد كبيرة من العائدين إلى البلاد عقب التحولات السياسية، وجدوا أنفسهم مجددًا في مواجهة واقع مأزوم، لتتحطم آمالهم بالاستقرار وتُستبدل برغبة ملحة في المغادرة بأي وسيلة.


لا يملك كثيرون من هؤلاء خيارًا سوى اللجوء إلى المعابر غير الشرعية، معتمدين على شبكات تهريب باتت تنشط بقوة، مستفيدة من فشل النظام الجديد في تقديم أي بديل اقتصادي واقعي. هؤلاء المهاجرون لا يطلبون أكثر من حياة كريمة، عمل مستقر، وفرصة للعيش بعيدًا عن الفقر واليأس، لكن واقع الحال يدفعهم نحو المجهول مجددًا.


في الأسواق والورش الصغيرة، يروي الحرفيون قصة الخسارة بصمت. أصحاب المهن الذين عادوا حاملين آمال إعادة البناء، وجدوا أنفسهم ضحايا لضعف الطلب والانهيار الاقتصادي. مشاريع صغيرة أقفلت أبوابها بعد أشهر من افتتاحها، وتحول أصحابها إلى باحثين عن سبل للهروب من بلد لم يعد يحتملهم.


هذا النزوح الصامت لا يتصدر نشرات الأخبار، لكنه يحمل دلالات خطيرة على مستقبل البلاد. فالهجرة، التي يفترض أن تكون خيارًا استثنائيًا، أصبحت أملًا مشتركًا لدى شريحة واسعة من السكان. غياب التخطيط الاقتصادي وانعدام الرؤية المستقبلية يجعل من هذه الهجرة الجديدة مؤشراً على مرحلة قادمة من التدهور الاجتماعي والاقتصادي.


في ظل هذا الواقع، لا يمكن تجاهل الحاجة الماسة لبرامج إنعاش اقتصادي حقيقية. المطلوب ليس مجرد شعارات أو وعود، بل خطوات ملموسة لإعادة الثقة، بدءًا من مشاريع دعم التشغيل، مرورًا بتسهيل بيئة العمل والاستثمار، ووصولاً إلى بناء منظومة اقتصادية عادلة تمنح المواطن السوري خيار البقاء بدلًا من الهروب.


هذه الهجرة ليست مجرد أرقام، بل صرخة مجتمعية تنذر بأن الوطن لم يعد حاضنًا كافيًا لأبنائه. إذا لم تتغير السياسات، فإن موجات الرحيل ستتكرر، ومعها تزداد خسارة البلاد لأهم مواردها: الإنسان.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 6