جفاف إدلب يهدد الأمن الغذائي المحلي

سامر الخطيب

2025.04.23 - 12:42
Facebook Share
طباعة

 بين التربة المتشققة والسنابل الذابلة، يقف مزارعو إدلب عاجزين أمام واقع زراعي يزداد سوءًا عامًا بعد عام. في موسم يوصف بالأكثر جفافًا منذ سنوات، اختفت أحلام الحصاد قبل أن ترى الشمس، وسط غياب الدعم وتجاهل الجهات المسؤولة، مما ينذر بكارثة غذائية تلوح في الأفق.


شهدت محافظة إدلب هذا العام تراجعًا حادًا في نسبة هطول الأمطار، حيث لم تتجاوز 40% من المعدلات المعتادة، وهو رقم يترجم خسارة شبه كاملة للمحاصيل البعلية، وعلى رأسها القمح والشعير، وهما الركيزتان الأساسيتان لأمن السكان الغذائي. في المناطق الريفية، تراجعت الحقول من مساحات خضراء واعدة إلى مساحات قاحلة تشهد موتًا بطيئًا للنبات، بلا قدرة على المقاومة أو تعويض الخسائر.


ومع الجفاف، جاءت الأعباء الاقتصادية كالكابوس الثاني للمزارعين. فأسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي بلغت مستويات قياسية؛ السماد العضوي تجاوز 450 دولارًا للطن، في حين بلغ سعر طن بذار القمح نحو 500 دولار. هذا الواقع المالي الصعب دفع العديد من المزارعين للاستدانة، أملاً في موسم وفير يعيد التوازن، لكن النتائج كانت على عكس التوقعات، لتتحول الديون إلى أعباء إضافية في ظل غياب الدعم أو برامج تعويض.


ما يزيد الطين بلة هو غياب الاستجابة من الجهات الزراعية المعنية، سواء في إدلب أو دمشق، حيث لم تُطرح حتى الآن أي خطة عاجلة لدعم المتضررين، أو إجراءات وقائية لمواجهة آثار الجفاف، في وقت تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية والاقتصادية في المنطقة. ويعكس هذا التجاهل انفصالًا واضحًا بين السياسات المعلنة وواقع الناس في الميدان.


على المستوى البيئي، تشير تحذيرات الخبراء إلى أن استمرار موجات الجفاف سيؤدي إلى تدهور التربة، ونقص في الغطاء النباتي، وتراجع في الإنتاج الزراعي طويل الأمد. وهو ما يعني أن المسألة لم تعد مرتبطة بموسم واحد، بل بمستقبل الزراعة في إدلب عمومًا.


ومن الناحية الاقتصادية، فإن تداعيات هذا الموسم الزراعي الفاشل لن تقف عند حدود الحقول. فارتفاع أسعار الحبوب والخضروات سيطال موائد المواطنين، وسيدفع السوق نحو مزيد من الغلاء والتقلبات، خاصة في ظل محدودية مصادر الدخل وانخفاض القدرة الشرائية للسكان.


أما من الناحية الاجتماعية، فإن الجفاف والخسائر الزراعية باتا يشكلان تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار الريف الإدلبي، حيث تشكّل الزراعة مصدر الرزق الأساسي لغالبية السكان. ومع كل موسم ضائع، تتزايد احتمالات النزوح، ويتعمق الفقر، وتُهدد بنية المجتمع المحلي بالمزيد من التآكل.


في ظل هذه المعطيات، بات من الضروري التحرك الفوري من قبل الجهات المعنية والمنظمات الدولية لتقديم دعم حقيقي للمزارعين، سواء عبر مساعدات عاجلة أو خطط طويلة الأمد لتحسين سبل الري وتوفير المستلزمات الزراعية بأسعار مناسبة. فمستقبل إدلب الأخضر بات على المحك، وأي تأخير في التدخل قد يجعل من الجفاف واقعًا دائمًا لا يمكن تداركه.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 5