شهدت مناطق متفرقة من ريف عفرين شمالي سوريا خلال الأيام الماضية تصاعدًا في الحوادث التي تمس الممتلكات العامة والخاصة، وسط حالة من القلق الشعبي حيال غياب المحاسبة الفعلية وتراجع مستوى الرقابة الأمنية.
وتُعد ناحية شيخ الحديد إحدى أبرز النقاط التي تكررت فيها الانتهاكات، خصوصًا في قرية قرمتلق، حيث أفادت مصادر محلية باستمرار عمليات السرقة وتفكيك منازل المدنيين، على الرغم من نقل جزء كبير من عناصر مجموعة "السلطان سليمان شاه"، المعروفة محليًا بـ"العمشات"، إلى محافظة حماة في وقت سابق.
ووفق ما تم توثيقه ميدانيًا، طالت السرقات في قرية قرمتلق أبواب ونوافذ وعددًا من محتويات المنازل الخالية، وتم تخزين المسروقات في منازل قريبة من المقبرة الواقعة في أطراف القرية. كما سُجلت مساء السبت 12 نيسان ثلاث عمليات سرقة جديدة استهدفت منازل في القرية ذاتها، دون تسجيل تحرك واضح من الجهات الأمنية المحلية لاحتواء الحوادث أو التحقيق فيها.
وفي سياق متصل، أفادت مصادر من مدينة عفرين أن دراجة نارية سُرقت صباح الأحد 13 من نيسان في شارع راجو، وهو ما يعكس استمرار حالات السطو والسرقة في مناطق مأهولة دون رادع فعلي.
أما في ناحية شران بريف عفرين الشرقي، فقد أُبلغ عن حوادث تعدٍ من نوع مختلف، حيث جرى توثيق قيام مجموعات تابعة لفصائل من "الجيش الوطني السوري" بقطع عشرات الأشجار المثمرة، خاصة أشجار الزيتون التي تشكل مصدر دخل أساسي للسكان المحليين. وبينت المعلومات أن أكثر من 50 شجرة زيتون قُطعت جزئيًا بين قريتي قرتقلاق وقسطل كيشك، وتم نقل الأخشاب الناتجة عن عمليات القطع إلى مدينة عفرين.
الحوادث لم تقتصر على الأشجار المثمرة، إذ سُجلت أيضًا عمليات قطع للأشجار الحراجية الواقعة في المناطق الجبلية بين قسطل جندو وقطمة. وبحسب روايات محلية، استخدمت أدوات كهربائية في عمليات القطع، وتم تحميل الحطب الناتج إلى مدينة إعزاز، حيث يُعتقد أنه يُستخدم لأغراض تجارية.
وتأتي هذه التطورات وسط انتقادات من منظمات حقوقية ومحلية، أشارت إلى تفشي مظاهر الاستغلال والانتهاك في ظل غياب آليات رقابة فاعلة، سواء من قبل الفصائل المسيطرة أو الجهات الإدارية في المنطقة.
وتُتهم بعض الفصائل المسلحة المسيطرة على مناطق ريف عفرين بارتكاب انتهاكات متكررة منذ سيطرتها على المدينة ومحيطها في العام 2018، عقب عملية "غصن الزيتون" التي قادتها تركيا بالتعاون مع فصائل من "الجيش الوطني" ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية.
ويعتبر السكان المحليون أن قطع الأشجار وسرقة ممتلكاتهم تأتي ضمن سلسلة من الممارسات التي دفعت الكثيرين إلى النزوح أو العيش في خوف دائم، في ظل غياب آلية واضحة للتعويض أو الملاحقة القانونية للمتورطين.
وتشهد المنطقة منذ سنوات عمليات تغيير ديموغرافي، وفق ما تؤكده تقارير صادرة عن منظمات دولية، إضافة إلى تضييق اقتصادي واجتماعي على السكان الأصليين، بما في ذلك مصادرة الممتلكات، وفرض إتاوات، وقطع مصادر الرزق مثل الزيتون الذي يُعد من أهم موارد المنطقة.
في المقابل، لم تصدر حتى الآن تصريحات رسمية من الجهات الأمنية أو الإدارية المسيطرة على المنطقة، سواء لتوضيح أسباب هذه الحوادث أو الإعلان عن تحقيقات رسمية فيها، ما يثير مزيدًا من التساؤلات حول فاعلية المؤسسات المحلية في ضبط الوضع الأمني وضمان الحقوق المدنية.
ويرى مراقبون أن استمرار هذا النمط من الانتهاكات، في ظل صمت رسمي، يهدد بمزيد من فقدان الثقة بين السكان والجهات المسيطرة، ويزيد من تعقيد المشهد الاجتماعي والاقتصادي في منطقة تعاني أساسًا من هشاشة أمنية وتردي الخدمات الأساسية.
وتطالب منظمات المجتمع المدني وشخصيات من أبناء المنطقة بضرورة تفعيل المحاسبة والرقابة، وتوثيق الانتهاكات بشكل منظم، تمهيدًا لإعادة الحقوق إلى أصحابها وضمان عدم تكرار التجاوزات، خاصة تلك التي تطال مصادر الرزق والممتلكات الخاصة.