حمص بعد الأسد: تحديات السلم الأهلي والعدالة

رزان الحاج

2025.04.13 - 11:29
Facebook Share
طباعة

 بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024، دخلت مدينة حمص، كما سائر المدن السورية، مرحلة جديدة من التحولات المجتمعية والسياسية. المدينة التي لطالما عُرفت بتنوعها الديني والطائفي، تعيش اليوم حالة من الجدل الداخلي بين مكوّناتها حول سبل استعادة العيش المشترك، وتحقيق العدالة، وبناء مستقبل يعيد للسوريين ثقتهم ببعضهم وبالوطن.


خلال العقود الماضية، كانت حمص مثالًا للتعايش بين مختلف الطوائف، إذ جمعت العلويين والسنّة والمسيحيين والشيعة في نسيج اجتماعي متداخل جغرافيًا واجتماعيًا. ومع اشتداد الحرب السورية، تعرضت هذه العلاقات لاختبارات قاسية، وتباينت تجارب السكان بحسب انتماءاتهم ومواقفهم السياسية.


سقوط النظام لم يكن نهاية للمأساة، بل بداية لسلسلة جديدة من التحديات، من أبرزها حالة الفلتان الأمني، ومحاولات بعض المجموعات المسلحة استغلال الظرف للانتقام على أسس طائفية، ما أدى إلى وقوع اعتداءات بحق مدنيين في بعض المناطق، خاصة من الطائفة العلوية، وخلق حالة من الخوف وعدم الاستقرار.


في هذا السياق، ظهرت دعوات متزايدة من أبناء مختلف الطوائف لوقف التصعيد الطائفي، والتأكيد على ضرورة التمييز بين الأفراد المتورطين في الجرائم خلال الحقبة السابقة، وبين عموم أبناء المكونات الذين لا يجوز تحميلهم وزر السلطة التي حكمت باسمهم. يُجمع العديد من النشطاء والمثقفين في حمص على أن استعادة الاستقرار تبدأ من تحقيق العدالة الانتقالية، دون الوقوع في فخ الانتقام الجماعي أو خطاب الكراهية.


عدد من القرى في ريف حمص شهدت موجات نزوح بعد سقوط النظام، لا سيما تلك التي تقطنها أغلبية شيعية أو علوية، نتيجة تخوف سكانها من أعمال انتقامية أو حوادث أمنية. في المقابل، يرى مراقبون أن الكثير من حالات الخروج كانت طوعية، خاصة لأشخاص ارتبطوا مباشرة بأجهزة النظام أو فصائل أجنبية، بينما بقي القسم الأكبر من الأهالي في أماكنهم ورفضوا مغادرتها.


الحكومة الجديدة، التي تشكّلت بعد سقوط النظام، تواجه اختبارًا كبيرًا في التعامل مع هذه الملفات الحساسة. فبين الرغبة في فرض الأمن، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، تكمن مسؤولية الحفاظ على التوازن المجتمعي، وبناء نظام يضمن المساواة ويمنع تكرار الممارسات السلطوية السابقة.


في النهاية، إعادة بناء الثقة بين السوريين لا تتم فقط عبر القرارات السياسية، بل من خلال إشراك المجتمعات المحلية في الحوار، وتعزيز القيم الوطنية المشتركة، ومواجهة كل مظاهر الطائفية، سواء أكانت صريحة أو مستترة. فالسلم الأهلي لا يُفرض بالقوة، بل يُبنى يومًا بعد يوم على أسس العدالة والمحاسبة والانفتاح.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 10