بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على احتجاز آلاف العسكريين في سجون الحكومة السورية الجديدة، تتعاظم المخاوف حول مصيرهم وسط تعتيم كامل من السلطات الرسمية. فلا اعتراف بوجودهم، ولا تهم واضحة، ولا محاكمات، فيما تتردد أسماء سجون مثل "حارم" و"عدرا" و"حماة" كمواقع يُحتجز فيها هؤلاء دون معرفة مصيرهم.
أهالي المعتقلين يعيشون على وقع القلق اليومي، وتساورهم شكوك جدية حول احتمال تعرض أبنائهم لعمليات تصفية داخل المعتقلات، خاصة في ظل انعدام أي معلومات وتسريبات عن أوضاع السجون، وتزايد التقارير عن انتهاكات جسيمة تُمارس خلف الجدران المغلقة.
احتجاز هذا العدد الكبير من العسكريين دون إجراءات قانونية عادلة يمثل تجاوزًا صريحًا لكل الأعراف والمواثيق الدولية، ويعيد إلى الأذهان ممارسات النظام السابق في القمع والاعتقال التعسفي، وكأن شيئاً لم يتغير سوى الشعارات.
دعوات حقوقية مستمرة تطالب بالإفراج عن جميع من لم تثبت مشاركته في أي انتهاكات أو جرائم حرب، خاصة أولئك الذين لم يشاركوا في القتال منذ عام 2019 وما بعده، وتحديدًا بعد توقف العمليات العسكرية التي اندلعت عقب انطلاق معركة "ردع العدوان".
كما تتصاعد المطالب بضرورة إشراك جهات دولية محايدة، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، للإشراف على أوضاع المعتقلين، وضمان حقوقهم القانونية والإنسانية، وإنهاء حالة التعتيم المستمرة منذ أشهر.
في المقابل، فإن استمرار الصمت الرسمي وعدم اتخاذ أي خطوة للكشف عن مصير هؤلاء المعتقلين، يثير شبح تكرار الانتهاكات التي عاشتها البلاد لسنوات، حين كان الإهمال والتعذيب وسيلة لإسكات الأصوات، وغالباً ما ينتهي المصير في المقابر الجماعية أو شهادات وفاة مزورة.
ومن هذا المنطلق، تُرفع الأصوات للمطالبة بإطلاق سراح كل من لم تثبت بحقه تهم واضحة، وتسريع محاكمات من يُشتبه بتورطهم، شرط أن تكون علنية وعادلة، وفقاً للمعايير الدولية التي تحترم كرامة الإنسان وتكفل له حق الدفاع عن نفسه.
وسط هذا المشهد الضبابي، يتساءل الكثيرون: هل يُمكن أن تشهد البلاد تحولاً حقيقياً في طريقة التعامل مع ملف المعتقلين، أم أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن بصياغات جديدة وعناوين أكثر نعومة؟