واشنطن تُسقِط الاعتراف: تحوّل جوهري في سياسة أميركا تجاه سوريا

بقلم: [خليل ابو رمان - واشنطن]

2025.04.07 - 01:21
Facebook Share
طباعة

في خطوة مفاجئة لكنها بالغة الدلالة، أبلغت الولايات المتحدة البعثة السورية في الأمم المتحدة بتغيير وضعها القانوني، من "بعثة دائمة لدولة عضو" إلى "بعثة تمثّل حكومة غير معترف بها". هذا التعديل، الذي جاء مصحوبًا بإلغاء تأشيرات الدبلوماسيين من فئة G1 إلى G3، لا يُعد مجرد إجراء إداري، بل يحمل في طيّاته رسالة سياسية واضحة وصريحة: واشنطن لا تعترف بشرعية الحكومة السورية الانتقالية الحالية.


بعيدًا عن التفاصيل التقنية في تغيير نوع التأشيرة، تكمن الأهمية الحقيقية لهذه الخطوة في رمزيتها السيادية: فالولايات المتحدة، وعلى الرغم من كونها مضيفة لمقر الأمم المتحدة، تملك سلطة تحديد من تعترف به كحكومة شرعية على أراضيها. وبذلك، فإن رفضها منح الاعتراف للسلطة الانتقالية السورية يعكس رفضًا مبدئيًا لمنطق تولّي الحكم بالقوة أو تحت مظلة أيديولوجية دينية متطرفة.


المفارقة الأبرز هنا أن الولايات المتحدة، وإن لم تمس عضوية سوريا في الأمم المتحدة، نزعت الغطاء الشرعي عن من يزعم تمثيلها. سوريا، بهذا المعنى، باتت دولة عضو بلا حكومة معترف بها من قبل القوة الأكبر في النظام الدولي، ما يضع السلطة الجديدة في موقع دبلوماسي هشّ وخطير.


هذا التحول لا يمكن فصله عن السياق السياسي السوري، الذي تعقّد بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتشكّل سلطة انتقالية ذات مرجعية سلفية جهادية، تثير مخاوف واشنطن من إعادة إنتاج نظام شمولي بثوب ديني. من هنا، تقرأ هذه الخطوة الأميركية كجزء من استراتيجية جديدة لإدارة مرحلة ما بعد النزاع، تقوم على عدم منح أي شرعية تلقائية لسلطات ما بعد الثورة ما لم تلبّ معايير الحكم المدني والتعددي.


الأمر لا يتوقف عند حدود الموقف الأميركي. هذا التغيير قد يُحرّك سلسلة من ردود الفعل متعددة الجنسيات، لا سيما من الاتحاد الأوروبي ودول أخرى تشاطر واشنطن مخاوفها. وقد يصبح تمثيل سوريا الدولي محل إعادة نظر أوسع، إذا لم تبادر السلطة الحالية إلى تغيير جذري في شكلها وبنيتها ومضمون خطابها السياسي.


بكلمات أوضح: نحن أمام نقطة تحوّل في مقاربة واشنطن للملف السوري، لا تسعى فقط لاحتواء سلطة انتقالية بل لضبط شكل النظام القادم في سوريا. فشرعية الدول، في أعين الولايات المتحدة، لم تعد تُمنَح بناء على السيطرة، بل على مدى احترامها لقيم الحداثة، التعدد، والانفتاح. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 9