قوات الأسايش: الذراع الأمنية للإدارة الذاتية تدخل المشهد الرسمي السوري

2025.04.06 - 11:23
Facebook Share
طباعة

 برز اسم "قوات الأسايش" مجددًا إلى واجهة الأحداث السياسية والأمنية في سوريا، عقب الإعلان عن اتفاق أمني بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية، يقضي بإعادة هيكلة الوضع في حيّي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب. هذه القوات، التي لطالما ارتبطت بالإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، تستعد اليوم لدور جديد في إطار التنسيق مع الدولة السورية، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من إعادة تشكيل المشهد الأمني السوري.


اتفاق أمني جديد في حلب
جاء الإعلان عن الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات "قسد" ليؤسس لتفاهمات أمنية وإدارية في حيين استراتيجيين بمدينة حلب، يقطنهما غالبية كردية. ويقضي الاتفاق بانسحاب الوحدات المسلحة التابعة لقسد، لا سيما وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ)، من حيّي الشيخ مقصود والأشرفية.


في المقابل، سيستمر تواجد قوات الأسايش، الذراع الأمنية للإدارة الذاتية، لكن بصيغة جديدة تتمثل في التنسيق مع وزارة الداخلية السورية، وارتداء عناصرها زي قوى الأمن الداخلي الرسمية، ضمن خطوة تهدف إلى دمج هذه القوات في البنية الأمنية الوطنية.


دمج إداري واجتماعي
الشق الإداري من الاتفاق لا يقل أهمية عن البُعد الأمني، حيث تم الاتفاق على دمج الحيين في الهيكلية الإدارية لمحافظة حلب، مع ضمان تمثيل سكانهما في المؤسسات المحلية، بما في ذلك مجلس المحافظة وغرف التجارة والصناعة.


كما تقرر فتح المعابر بين الحيين وبقية أحياء حلب، لتسهيل حركة المواطنين والبضائع، بما يُعزز من فرص التعايش، ويكسر حالة العزلة التي كانت مفروضة على المنطقة في السنوات الماضية.


قوات الأسايش: النشأة والتطور
تأسست قوات الأسايش عام 2012، في ذروة النزاع السوري، كردّ فعل على انسحاب جزئي للقوات النظامية من مناطق ذات غالبية كردية في الشمال الشرقي. بدأت مهامها بتنظيم المرور وحفظ الأمن الداخلي، وسرعان ما تطورت لتتحول إلى جهاز أمني متكامل، معني بمكافحة الإرهاب، وملاحقة شبكات التهريب والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى إدارة المعابر الحدودية والنقاط الأمنية داخل مناطق الإدارة الذاتية.


وبحلول عام 2017، بلغ عدد عناصرها أكثر من 15 ألفًا، موزعين على مئات المراكز الأمنية ونقاط التفتيش، ما جعلها أحد أبرز الأجهزة الأمنية الفاعلة في شمال شرق سوريا.


تركيبة متعددة ودور متنامٍ
تُعرف قوات الأسايش بتكوينها المتعدد عرقيًا، حيث تضم في صفوفها أكرادًا وعربًا وسريانًا وتركمان. كما أن نسبة النساء ضمن صفوفها تُقدّر بنحو 30%، وهو ما يعكس التوجه الأيديولوجي للإدارة الذاتية في تعزيز دور المرأة في الشأن الأمني والعام.


وتحظى الأسايش بدعم لوجستي وتدريب مستمر من قبل قوات التحالف الدولي، لا سيما في مجالات مواجهة تنظيم "داعش" وخلايا الإرهاب النائمة، بالإضافة إلى مهام مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة.


وفي مارس الماضي، أعلنت الأسايش عن ضبط شحنة كبتاغون ضخمة قُدّر عدد حبوبها بأكثر من 2.7 مليون، واعتقال شخصين يُشتبه بضلوعهما في شبكة إقليمية لتهريب المواد المخدرة، في عملية نوعية نُفذت في مدينة القامشلي.


اتفاق أوسع بين دمشق وقسد
الاتفاق في حلب لم يأتِ بمعزل عن تطورات سياسية أوسع، إذ يتكامل مع اتفاق سياسي وقع في 10 مارس/آذار الماضي بين الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، وقائد قوات قسد مظلوم عبدي. وينص الاتفاق على دمج المؤسسات العسكرية والمدنية للإدارة الذاتية ضمن مؤسسات الدولة السورية، بما في ذلك إدماج مقاتلي "قسد" ضمن تشكيلات الجيش السوري، ووضع المعابر وحقول النفط تحت إشراف الدولة المركزية.


وبحسب مصادر محلية، من المتوقع أن ينتقل المقاتلون الذين لن يتم دمجهم في المنظومة الأمنية إلى مناطق الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي، بينما ستُتابَع مراحل إضافية من الترتيبات الأمنية والإدارية خلال الأشهر المقبلة.


بين الترحيب والتحفظ
فيما يرى بعض المراقبين أن هذا التحول قد يشكّل نقطة انطلاق نحو مصالحة داخلية شاملة، يُعبّر آخرون عن قلقهم من صعوبة تنفيذ الاتفاقات على الأرض، خاصة في ظل التداخلات الإقليمية والدولية المعقدة. كما تُثار تساؤلات حول مدى قبول القوى الفاعلة، وخاصة تركيا والولايات المتحدة، لإعادة هيكلة المشهد الأمني السوري وفق هذا النسق.


ختامًا
تشير عودة قوات الأسايش للمشهد من بوابة التنسيق مع الحكومة السورية إلى تغيّر في قواعد اللعبة السياسية والأمنية شمال سوريا. فبينما يبقى تنفيذ الاتفاق مرهونًا بإرادة الطرفين، فإن هذا التطور يفتح الباب لمرحلة جديدة قد تحمل فرصًا للاستقرار، إذا ما تمكّن الجميع من تجاوز الموروثات السياسية والصراعات السابقة، ووضع أسس لمستقبل تشاركي جامع.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 5