الصين وسوريا بعد سقوط الأسد: تحالفات براغماتية وتحديات الإيغور

2025.04.05 - 11:29
Facebook Share
طباعة

 بعد نحو ثلاثة أشهر من سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، بدأت الصين تحركها الدبلوماسي الأول تجاه القيادة السورية الجديدة، حيث أجرى السفير الصيني في دمشق لقاءً مع الرئيس أحمد الشرع وعدد من كبار المسؤولين في القصر الرئاسي. ورغم أهمية هذه الخطوة، لم يتم الإعلان رسميًا عن مضمون المحادثات، ما يضفي غموضًا على طبيعة العلاقة المستقبلية بين بكين ودمشق.


تحديات ما بعد الحرب
تواجه الحكومة الجديدة، التي تشكلت إثر الإطاحة بنظام البعث، تحديات هائلة لإعادة إعمار بلد أنهكته حرب أهلية استمرت لأكثر من عقد. لكن أحد أعقد الملفات يتمثل في إدارة العلاقات مع القوى الخارجية، التي تملك نفوذًا كبيرًا عبر العقوبات المفروضة سواء على سوريا أو على جماعات مسلحة مثل "هيئة تحرير الشام"، التي قادها سابقًا الرئيس أحمد الشرع خلال مرحلة المعارضة.


علاقة ملتبسة مع بكين
رغم دعم الصين المستمر لنظام الأسد واعترافها بشرعيته، فإن التحالف السابق يثير الحذر في صفوف المسؤولين الجدد، خصوصًا أولئك القادمين من صفوف المعارضة. ومع ذلك، يُتوقّع أن تلعب الصين دورًا اقتصاديًا متناميًا في مرحلة ما بعد الحرب، مثلما فعلت بشكل غير مباشر في إدلب خلال السنوات الأخيرة.


فرغم عدم اعتراف بكين رسميًا بحكم المعارضة في إدلب، كانت شركات صينية – خاصة خاصة – تمدّ السوق هناك بمنتجات رخيصة الثمن، من الأجهزة المنزلية إلى خطوط الإنتاج الصناعية، مستفيدة من طلب عالٍ وبيئة اقتصادية محاصرة.


الصين في إدلب: حضور غير معلن
خلال فترة الحصار، ومع تدفق نحو مليوني نازح إلى إدلب، باتت السوق تعتمد على المنتجات الصينية في تلبية الاحتياجات الأساسية. دراسة لوكالة "ريتش" عام 2022 أظهرت أن الصين كانت المورد الأول لـ10 من بين 17 مادة أساسية لمستلزمات المأوى.


من أبرز الأمثلة على ذلك، شركة "الكوثر" المحلية لتعبئة المياه، التي استخدمت خط إنتاج صيني بالكامل. كما أضحت الألواح الشمسية الصينية حلًا رئيسيًا لمشكلة انقطاع الكهرباء، حيث تغطي أكثر من 60% من أنظمة الطاقة الشمسية في إدلب، بحسب أحد الموردين المحليين.


وباتت إدلب مركزًا تجاريًا مزدهرًا، يقصدها السوريون من مناطق النظام السابق لشراء سلع بأسعار معقولة، معظمها قادمة من مدن صينية كـ "يييو" و"غوانغتشو" عبر شبكة تجار سوريين نشطة.


الصين في سوريا الجديدة: فرص وتوجسات
بعد سقوط الأسد، بدأت الشركات السورية التي تربطها علاقات توريد بالصين تلعب دورًا في تلبية الطلب المتزايد على البنية التحتية والمعدات الصناعية في دمشق وحماة وغيرها، ما يشير إلى دور اقتصادي صيني مرشح للتوسع، يتعدى بيع السلع إلى المشاركة في إعادة الإعمار.


وكان الأسد قد حاول سابقًا جذب الاستثمارات الصينية، ومن ذلك صفقة بقيمة 30 مليون دولار لإعادة بناء شبكات الاتصالات. في المقابل، بنت إدلب شبكة اتصالات مستقلة هي "سيريافون"، باستخدام معدات صينية أيضًا.


عقبة الإيغور: المعضلة الأخطر
رغم الانفتاح الأولي، لم تتردد الصين في التعبير عن تحفظاتها، وخصوصًا حول مشاركة الإيغور في السلطة السورية الجديدة. فقد طالبت بكين بوضوح في بيان بتاريخ 18 فبراير بفرض قيود على مشاركة عناصر من الحزب الإسلامي التركستاني، مشيرة إلى "قلق عميق" من رفع العقوبات الدولية عن هيئة تحرير الشام.


ويُعرف عن الحزب الإسلامي التركستاني، ذو التوجه الإيغوري، مشاركته النشطة في القتال ضد نظام الأسد، لا سيما في إدلب وحمص. وبعد سقوط دمشق في ديسمبر 2024، نشر الحزب مقطعًا مصورًا يربط بين كفاحه في سوريا وطموحه في "تحرير تركستان الشرقية" – الاسم الذي يستخدمه الإيغور للإشارة إلى إقليم شينغيانغ الصيني.


وتعد هذه القضية حساسة جدًا بالنسبة لبكين، التي تشن منذ 2017 حملة واسعة لقمع الهويات الثقافية والدينية للإيغور، وتعتبر مظاهر التدين أو التحرك السياسي "مؤشرات تطرف".


الصين والبراغماتية: طالبان نموذجًا؟
يرى الباحث أحمد أبو دوح، من "تشاتام هاوس"، أن ملف الإيغور سيشكل اختبارًا للبراغماتية الصينية والسورية على حد سواء. ويشير إلى أن الصين قد تقبل بعدم تسليم عناصر الإيغور، على غرار ما فعلت مع طالبان، مقابل ضمانات أمنية صارمة بعدم استخدام سوريا كمنصة لأي تهديد صيني.


ختامًا: براغماتية أم تنازلات؟
يتبع الرئيس أحمد الشرع نهجًا تصالحيًا، بدا واضحًا من خلال قرارات العفو عن مسؤولين سابقين خدموا في عهد الأسد، بشرط عدم تورطهم في انتهاكات. هذا النهج قد يشمل أيضًا تجاوز مرحلة دعم الصين لنظام الأسد، في سبيل بناء علاقات جديدة تقوم على المصالح المتبادلة.


لكن القضية الإيغورية قد تكون العقدة الأصعب في رسم ملامح التعاون مع بكين، وتتطلب من دمشق الجديدة توازنًا دقيقًا بين شراكة اقتصادية ضرورية، والتزامات سياسية وعسكرية تجاه حلفاء خاضوا معها المعركة حتى النصر.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 1